هاشتاغ
بحث

الكهرباء وإنسانية السوري

31/10/2025

الكهرباء-وإنسانية-السوري

شارك المقال

A
A

نضال الخضري


مسألة الطاقة في سوريا مزمنة بطبيعتها، لكنها كانت في مسألة الجودة وباتت نوعاً من الترف، فالذاكرة للأجيال التي عاشت مراحل الطاقة في سوريا تستحضر المراحل "الخانقة"، عندما كانت الحروب (1973) تفرض تقنيناً ساعات طويلة نسبياً، أو عندما ارتفع الاستهلاك كثيراً، لكن "العتمة" اليوم لم تعد فعلاً طارئاً؛ بل توطيناً لأزمة تزداد تعقيداً.


زيادة أسعار الكهرباء هي مقدمة لانتقاص من إنسانية المواطن الذي يرى تراكم سيارات الدفع الرباعي في شوارع المدينة، بينما يضطر إلى التقنين في استهلاك الطاقة على الرغم من الساعات القليلة لحضور الكهرباء في حياته، فأسطح الأبنية في دمشق أصبحت "مزرعة" للطاقة الشمسية وفق قدرات الميسورين، والمفارقة في المعيشة لم تعد تحسب بالقدرة على الذهاب إلى المطاعم؛ بل في إنارة المنزل، أو مشاهدة التلفاز ساعات أو ربما دقائق.


دراما الكهرباء السورية تطورت في سنوات الحرب، من استخدام "الليدات" إلى "البطاريات" ووصولاً إلى الألواح التي تحجب الرؤية داخل المدينة، وربما كانت دمشق محظوظة من بين المدن السورية؛ لأن بعض المحافظات أصبحت الكهرباء ترافاً زائداً عن الحد.


يختلف الأمر اليوم؛ لأن القرارات الحكومية تتحدث عن أن زيادة السعر هو لتحسين الجودة بينما السلعة نفسها (الكهرباء) غير متوفرة، وفي المقابل فإن الأثمان التي ستدفع تجعل مسألة الطاقة ميزة لمن يملك دخلاً ًيفوق ما يحصله باقي المواطنين، فالمسألة لا يمكن حسابها زيادة قيمة فاتورة الكهرباء؛ بل أيضاً الإضافات على قيمة الإنتاج التي سيدفعها المواطن.


ما يحدث يتجاوز العجز الفني أو المالي، فهو عجز إدارة الموارد العامة وتوزيع العدالة الاجتماعية، فنحن نعيش تناقض الخطاب الرسمي ومفارقة الحياة التي تجعل الأسواق غارقة بالمستوردات بينما تتم محاولة استرداد نفقات الطاقة من المجتمع المنهك، فالقضية لم تعد انهيار الخدمات؛ إنما طريقة النظر إلى إنسانية المواطن الذي لم يعد ينظم حياته وفق ساعات التقنين فقط؛ بل أيضاً وفق ما تبقى من مال داخل معه.


الأسرة السورية اليوم تُعيد تعريف المساء على ضوء "بطارية" صغيرة، وتخطط واجبات أطفالها الدراسية والمهنية على إيقاع العتمة، هذه ليست مجرد معاناة يومية؛ بل إعادة تشكيل للإنسان نفسه، الذي أُجبر على التكيف مع انقطاع الضوء كما يتكيف الكائن مع تغير المناخ.


المبادرات الخاصة التي انتشرت في المدن الكبرى تُظهر فوارق طبقية فاقعة، فمنازل تغمرها الإنارة بفضل منظومات كلفتها ملايين الليرات، وأحياء أخرى تغرق في ظلمةٍ تُذكّر بأن الضوء نفسه أصبح امتيازاً، وهنا تتحول الطاقة من حق جماعي إلى سلعة طبقية، تُعيد رسم خريطة الفقر والغنى في البلاد.


إن استعادة الكهرباء لا تبدأ من الأسلاك والمحولات؛ بل من إعادة تعريف العلاقة بين الدولة ومواطنيها؛ علاقة تقوم على الشفافية، واحترام حق الإنسان في حياة تليق به، لا حياة تُدار على مؤقت زمني يُطفئ الضوء ويشعل الغضب.

التعليقات

الصنف

خطوط حمر

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025