هاشتاغ
بحث

"قيصر" ومعضلة السيادة

03/11/2025

قانون-قيصر

شارك المقال

A
A


مازن بلال


 منذ عام 2011 أصبحت السيادة السورية محاصرة، فبصرف النظر عن مسألة الاستبداد التي تحتاج إلى وضعها في إطار قانوني وليس "إعلامياً"، خاضت سوريا طوال عقد ونصف "معركة السيادة" ضمن مفاصل متعددة كان أخطرها قانون "قيصر"، الذي وضعها في النهاية أمام مواجهة في المفاهيم وليس فقط في موضوع الحصار الاقتصادي.


 انتقلت هذه المواجهة اليوم إلى مضمار "المساومة السياسية"، والواضح أن واشنطن تجري نشاطاً دبلوماسياً لتقديم نموذج خاص بها عبر سوريا، فهي تعد انتصارها في الشرق الأوسط يقوم على إحياء نفوذها بوجه آخر، فإدارة الرئيس ترامب "مهووسة" بمسألة "الإنجاز السياسي" حتى ولو كان ترتيبات يمكن أن تنهار بسرعة، وموضوع قيصر يدخل ضمن هذا الإطار في تشكيل نفوذها في المنطقة بالمبادرات، فإنهاء العقوبات ضروري وفي الوقت نفسه يشكل "فخ السيادة" لسوريا.


الرهان الأمريكي اليوم هو على "السيادة السائلة" التي تربط سياسات المنطقة بالمبادرات سواء كانت اقتصادية أم حتى أمنية، فإلغاء قانون بدأ بمفاجأة في الرياض وكان بمنزلة إعادة هندسة للعلاقة مع المنطقة، فالمفارقة أن واشنطن تستخدم "قيصر" آلية تفاوضية، تُبقي الباب مفتوحاً أمام إعادة إنتاج نفوذها في سوريا من دون الحاجة إلى وجود عسكري مباشر.


من هذه الزاوية، يمكن فهم التحركات الدبلوماسية الأخيرة بوصفها إعادة تموضع؛ إذ يجري اختبار مفهوم "السيادة القابلة للتجزئة" التي تتيح للولايات المتحدة الدخول في ملفات جزئية إنسانية أو اقتصادية من دون الاعتراف الكامل بشرعية الدولة السورية، وهذه الصيغة الجديدة من "السيادة السائلة" لا تعني بالضرورة قبولاً أميركياً بعودة دمشق إلى النظام الإقليمي؛ بل هي محاولة لتثبيت نموذج من التفاعل المشروط الذي يُبقي القرار السوري ضمن دائرة السيطرة غير المباشرة، فالمساعدات الإنسانية أو الخدمية تتحول إلى أدوات ضغط دقيقة، تُعيد تعريف العلاقة بين المركز السوري والعواصم الغربية ضمن معادلة "الموافقة مقابل التمويل".


الجوهر في الصراع عن "قيصر" هو بالتصور الأمريكي لطبيعة الدولة السورية في المستقبل، فالإدارة الأمريكية، لا تتعامل مع دمشق بالسلطة الجديدة بوصفها خصماً تقليدياً؛ بل حالة وظيفية داخل شبكة أوسع من إعادة ترتيب النفوذ في المشرق، و"فخ السيادة" الذي يحاصر سوريا لا يقتصر على مسألة الموارد أو الاستيراد؛ بل يمتد إلى البنية السياسية نفسها، فيفرض شكلاً من "الوصاية غير المعلنة" بربط كل خطوة اقتصادية أو إدارية بموافقة أمريكية.


إن "معركة السيادة" تغيّرت طبيعتها بعد انهيار النظام السياسي السابق وأصبحت اختباراً لقدرة السوريين على التكيّف مع بيئة دولية متغيرة، فقانون "قيصر" تجاوز نفسه بوصفه إجراء عقابياً ليصبح رمزاً لصراع المفاهيم؛ السيادة كاستقلال مقابل السيادة كقابلية للتفاوض، وما يجري اليوم هو إعادة تعريف هذا المفهوم في ظل تحول في الداخل السوري، السؤال المطروح على السلطة في دمشق لم يعد: كيف نواجه "قيصر"؟ بل: كيف نعيد تعريف السيادة بحيث تصبح فعلاً قابلاً للاستمرار في عالم لا يعترف بالثوابت المطلقة؟

السؤال المطروح على السلطة في دمشق لم يعد: كيف نواجه "قيصر"؟ بل: كيف نعيد تعريف السيادة بحيث تصبح فعلاً قابلاً للاستمرار في عالم لا يعترف بالثوابت المطلقة؟

التعليقات

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025