هاشتاغ
بحث

أسعار الكهرباء وإدارة الفشل

04/11/2025

أسعار-الكهرباء

شارك المقال

A
A


رأي - أيهم أسد


تنطلق أي سياسة عامة لأي دولة كانت من عناصر ثلاثة تشكل مرجعيتها الأساسية في صياغة السياسة العامة وهي الأهداف والزمن والقيود، فلا سياسة عامة بلا أهداف، ولا سياسة عامة بلا زمن محدد لإنجازها، ولا سياسة عامة بلا تصور عن القيود التي تواجهها.


وبالتالي فإن افتقار الإدارة العامة المُنتجة للسياسة العامة عن التصورات الدقيقة عن تلك المتغيرات الثلاثة لن يُنتج إلا فشلاً في إدارة السياسة العامة، وضياعاً في الموارد، ولن يعطي إلا مردوداً عكسياً لتلك السياسة وبالتالي تنتقل السياسة العامة إلى حالة "إدارة الفشل" بعد فشلها في إدارة السياسة العامة.


وفي ضوء نظريات ومنهجيات صنع السياسة العامة للدول يمكن التساؤل عن مدى صواب قرار رفع أسعار الكهرباء المفاجئ والصادم للحكومة السورية الانتقالية في الاقتصاد السوري والذي يشكل في نهاية الأمر سياسة عامة تطبق على السوريين كافة، وهي سياسة صادرة عن إدارة عامة يفترض أنها تعي جيداً عناصر بيئة صنع السياسة العامة في هذا القطاع تدرك السياق السوري العام.


فمن حيث الهدف يمكن التساؤل عن ماهية الهدف الحقيقي الذي دعا الحكومة الانتقالية لاتخاذ هذه السياسة؛ إذ تقول إن الهدف من تلك السياسة العامة هو "إصلاح قطاع الكهرباء" وإعادة تمويله من أجل إعادة بنائه مجدداً.


ولكن ما طرحته الحكومة الانتقالية في ذلك الهدف يثير الكثير من التساؤلات المرتبطة بصنع السياسات العامة وتحقيق أهدافها ومنها:


أولاً: هل يمكن تحقيق ذلك الهدف ضمن السياق الاقتصادي والاجتماعي العام للسوريين الذين يعاني نحو 80% منهم الفقر والعوز المادي والمدمرة غالبية منازلهم، والنازحة غالبية أسرهم، والذين لا يملكون البدائل الكافية عن الكهرباء للإنارة والتدفئة كالطاقات البديلة أو المحرقات المحررة أسعارها أيضاً، وذلك كله في ضوء خطاب سياسات محاربة الفقر وسياسات العدالة الاجتماعية وسياسات تحسين مستويات معيشة المواطنين التي تسوقها الحكومة، بمعنى هل تنسجم السياسة العامة لتحرير قطاع الكهرباء مع السياسة العامة الاجتماعية؟


ثانياً: هل يمكن تحقيق ذلك الهدف ضمن بنية قطاع كهرباء يعاني تراجعاً كبيراً جداً في كفاءات التوليد والنقل والتوزيع بسبب التقادم التقني لمحطات التوليد وشبكات التوزيع والفساد والهدر والاستجرار غير المشروع والتي ينتج عنها ارتفاعاً كبيراً في تكاليف إنتاج الكهرباء ستحملها الحكومة الانتقالية للمستهلكين؟ بمعنى هل تنسجم السياسة العامة لتحرير أسعار الكهرباء مع السياسة العامة لإصلاح قطاع الكهرباء؟


ثالثاً: هل يمكن تحقيق ذلك الهدف ضمن سلسلة الأهداف الاقتصادية الحكومية التي من المفترض أن يكون بعضها منسجماً مع بعض لتحقيق التوازن الاقتصادي العام، كالأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى الحكومة الانتقالية إلى تحقيقها مثل سياسات دعم الاستثمار الخارجي وجذب المستثمرين، وسياسة دعم الإنتاج الوطني وزيادة تنافسيته، وسياسة تحرير التجارة الخارجية؟ وسياسة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟ بمعنى هل تنسجم سياسة تحرير أسعار الكهرباء مع السياسات العامة الاقتصادية؟


من المتوقع وضمن السياق الاقتصادي والاجتماعي العام أن لا تعطي سياسة تحرير أسعار الكهرباء آثارها المرتقبة في تحسين بنية قطاع الكهرباء، فالمشكلة الجوهرية ليست في التسعير؛ بل في الإنتاج والنقل والتوزيع وهذا ما أهملته هذه السياسة، والتي من المتوقع أن تكون لها آثار عكسية بدءا من زيادة الاستجرار غير المشروع للهروب من التكاليف العالية، وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر مجدداً وانتهاءً بمظاهر الحراك الاجتماعي الرافض والمنهاض لها ولغيرها من السياسات العامة الأخرى.

المشكلة الجوهرية ليست في التسعير؛ بل في الإنتاج والنقل والتوزيع وهذا ما أهملته هذه السياسة...

التعليقات

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025