هاشتاغ - رأي: نضال الخضري
علينا أن نفرح برفع العقوبات وأن نفكر في كل الهدر الذي رافقنا طوال عقد ونصف؛ على الرغم من أن أزمتنا لم تبدأ ولن تنتهي بقضية العقوبات، فنحن اعتدنا ترك المساحات الفارغة ليملأها غيرنا ويحاصرنا ثم ندفع أثماناً باهظة كي نعوض ما فقدناه نتيجة الحصار أو العقوبات أو حتى انتظار الآخرين كي يغيروا من المعادلات المفروضة علينا، فالعقوبات في النهاية حالة ظلم لكنها أيضاً مدعاة للتفكير في كل ما جنيناه على أنفسنا.
ما حدث ليس مكسباً سياسياً لفريق على آخر، لأنه عودة إلى طبيعة العلاقات؛ بـل"همروجة" سياسية توحي بأنه تم "انتشالنا" من قعر الحياة إلى سطحها، ووسط هذا الضجيج تناسينا أن الثقافة التي نحملها هي التي جعلت العقوبات ظاهرة مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ إذ إنها رسمتنا على مسرح السياسة الدولية ضمن حالة خاصة، وفي المقابل فإن بعض العقوبات هي من فعلنا؛ لأننا رسمنا مساراً خانقاً وسط أزمة بدت كمتاهة يصعب الخروج منها.
رفع العقوبات هو مجال تفكير في المساحات الفارغة التي تحيط بنا، فما ندفعه من أثمان اليوم لرفع العقوبات يزيد من تلك المساحات، والوهم السياسي يجعل المجتمع يغوص أكثر في الآمال الكاذبة؛ لأننا في النهاية لم نرسم أي مسار منذ 2011م ولم نحدد أي شكل يجعل الثمن الباهظ المدفوع على امتداد السنوات نقطة بداية لرسم صورة المستقبل، إنما انتظرنا كي يظهر "الفرج" في محطة خارج فعلنا السياسي والاجتماعي، فكان الأفق يضيق بينما يكبر من حولنا "وهم الخلاص".
حتى تكتمل الصورة لا بد من وضع "أمل" خاص بنا بعيداً عن الاستعراض السياسي الذي انتهى برفع العقوبات، فالمسارات التي شهدناها على امتداد عقد ونصف تحتاج إلى قراءة العلاقات داخل مجتمعنا حتى لا ندخل في مرحلة جديدة تحمل أشكالاً مختلفة من الحصار، فالبحث عن الناتج الاقتصادي الذي سيظهر ليس مهماً؛ لأن الأخطر منه هو إيقاف استنزاف نسيجنا الاجتماعي الذي أصبح يرى الخلاص بالهجرة، والبحث عن تصورات لحياتنا بعيداً عن كوابيس السياسة التي تحاصرنا.
نحن مرهقون من الداخل قبل أن يأتي الفرج بمبادرات من الخارج، ونجاحنا لا يمكن أن يقاس سوى بإعادة المساحات الفارغة التي خلفها الإهمال السياسي والاجتماعي لنعود إلى دور الحياة في المجتمع، فعندما ننسى أن السنوات الثقيلة زادت من تلك المساحات فإن أي انتعاش اقتصادي لن ينتشلنا من الألم الذي يحيط بنا، ولن يضمن عدم تكرار الذعر من المستقبل الذي لم يغادرنا حتى بعد "رفع العقوبات"، فالقلق الذي يأكل أحلامنا لا يمكن أن يتوقف بدبلوماسية دولية إنما برسم مسارات جديدة تبدأ من العلاقات التي تجمعنا.
تصورنا للقادم ما زال رهين المساحات الفارغة التي تحيط بنا، ونحن عاجزون عن شطبها إلا بعلاقات جديدة، وعقد اجتماعي يحصن المجتمع من التباعد والتنافر ويضمن ظهور ثقافة تعيد الأمل بدلاً من الغوص في الوهم السياسي.