هاشتاغ – رأي: نضال الخضري
نتوقف عند السلم الأهلي وكأنه لون جديد، أو حالة لم نعرفها إلا حديثاً مع حدث غير مألوف ظهر وتركنا في وحل الموت، فهشاشة العلاقات التي تحكمنا ربما كانت شكلاً مجهولاً، لكنها في الوقت نفسه اختبار غير مألوف في زمن تقلص المفاهيم إلى الحدود القصوى داخل وسائل التواصل الاجتماعي، فشريط مسجل ومجهول المصدر كان كفيلاً بإشعال العنف، وتصريحات قادة "إسرائيل" بقيت حالة عابرة، فخلاصة الثقافة أننا نقف على الحد الفاصل بين رماد المعرفة وانكسار أحلامنا.
المسألة ليست في التحريض الطائفي أو أعمال العنف؛ بل أيضاً في انقلاب المفاهيم والتصورات، وتشكل ألوان قناعات غير مألوفة عن "الخطر" واتجاهاته ومن أين ينطلق، فهشاشة السلم الأهلي تبدأ من انتهاء مفهوم "العدو" ليصبح جزء "منظومة" ضيفة محصورة داخل التكوين الاجتماعي الخاص بنا، فما يؤلم أن بدائل البعض أصبحت تتمثل في "إسرائيل"، وأن السماء السورية باتت مسرحاً لمسيّرات لا نعرف من أين أتت أو لماذا تحلق.
في الشكل الآخر لأحداث جرمانا وصحنايا ضياع لحدود الصراع الذي انتقل سريعا إلى داخلنا، فالغضب من التحريض الطائفي والعنف تخالطه غصة أخرى تخلقها "إسرائيل"، فتصبح نيران ضياع السلم الأهلي في مساحة من الرعب الحقيقي لفقدان دولة ومجتمع لندخل في شتات جديد أقسى من النزوح والهجرة، فتجربتنا الحالية لا يمكن قياسها بكل الأحداث التي دهمتنا منذ عام 2011م، وكل أشكال البحث عن تصورات جديدة تسقط سقوطا سريعا في وحل الاضطراب وانكسار السلم الأهلي.
في الأزمنة التي نعيشها لا يمكن فهم انقلاب العدو لصديق "لا بد منه"، فالتناقض مع "إسرائيل" أمر مستقل عن نيران العنف التي أشعلناها بأنفسنا داخل مدننا، وإن كنا اليوم نبحث عن مستقبل مختلف فربما علينا قراءة الأخطاء عوضا عن الفرح بتفوق الآخر داخل خلافاتنا، فالعصبية النائمة تجاه "إسرائيل" غير مفهومة، وجاهزية الجميع لـ"الغيرة" على مفاهيم التراثي تشير إلى أننا نسير نحو المجهول.
في الشريط المصور الذي أثبت تكسر علاقاتنا الاجتماعية مشهد خطِر لبلد يتشظى أمامنا، ونحن نتعامل بخفة وكأن سوريا لا تعني أحداً، أو لا ترسمها المصالح التي وحدت الجميع من مراحل ما قبل الاستقلال، ولا ترسمها الدماء التي سالت منذ بداية القرن الماضي حتى اليوم، فنحن نعيش اليوم أغرب واقع مع انكفاء الحياة إلى أضيق مساحة، فمن سيفكر في التجول أو حتى في رسم مستقبله على أرض تشتعل فيها النيران وتحكم سماؤها "إسرائيل".
أحلامنا المؤجلة باقية والسلم الأهلي المسفوح على مساحة التحريض يُقلص من تفكيرنا بما يهدد الأجيال الآتية، فنحن سنقدم لهم بلاداً فقدت "الجامع الاجتماعي" وتعيش على أمل شرعية جديدة قادمة من الخارج، وفي اللحظات القاسية التي تعصر قلوبنا ندرك أننا لا نملك سوى بناء السلم الأهلي بعيداً عن "إسرائيل" التي تنتهك طائراتها سماءنا طوال الوقت.