رأي – أيهم أسد
تنتشر في سوريا بعد سقوط النظام الكثير من الدعوات من أجل اعتماد سوريا على النظام اللامركزي في إدارة شؤون البلاد، وقد يدين أو يؤيد الكثير من الناس، كل حسب اعتقاده السياسي، تلك الدعوات لأنهم يعتقدون أن النظام اللامركزي يعني في النهاية انفصال المناطق الجغرافية بعضها عن بعض واستقلالها عن الحكومة المركزية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكثير من السوريين يدركون تماماً أهمية تطبيق نظام إدارة لا مركزي في سوريا من أجل إنقاذ ما تبقى من البلاد ومواردها.
وكنا منذ سنوات بعيدة نقول: إن أحد أهم إخفاقات الإدارة بالعامة في سوريا وأحد أهم أسباب فشل التنمية المحلية في سوريا، وأحد أسباب المشكلات السكانية والتنموية، إنما يعود بشكل أساسي إلى ضعف تطبيق النظام اللامركزي، وإلى تشويه ذلك النظام تشويهاً متعمداً من قبل السلطة السياسية نفسها ومن قبل الإدارات التنفيذية التي لم تكن راغبة في يوم ما في اتخاذ إجراءات حقيقية لتطبيق نظام لا مركزي ولا للتخلي عن قليل من صلاحياتها للمحليات.
وللتذكير فقط أقول: نص قانون الإدارة المحلية في سوريا الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (107) لعام 2011م، الذي لا يزال سارياً حتى الآن، أن الهدف من القانون نفسه هو تطبيق لامركزية السلطات والمسؤوليات وتركيزها في أيدي فئات الشعب تطبيقا لمبدأ الديمقراطية الذي يجعل الشعب مصدر كل سلطة وذلك بتوسيع وتحديد واضح وغير مزدوج لسلطات وصلاحيات مجالس الوحدات الإدارية لتمكينها من تأدية اختصاصاتها ومهامها في تطوير الوحدة الإدارية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعمرانياً.
يعبر عن اللامركزية بوصفها نظاماً لإدارة الدولة أنها استقلال نسبي لمنطقة جغرافية محددة في إدارة شؤونها المحلية بواسطة سكانها أو ممثلين عنهم بوساطة مجالس محلية منتخبة بإشراف ورقابة الحكومة المركزية، ويقصد باستقلال المناطق الجغرافية النسبي حرية التصرف في شؤون المحليات المستمدة من القانون المنظم للإدارة المحلية مباشرة وليس من قبل ممثلي الحكومة المركزية.
وتعد اللامركزية أسلوب من أساليب التنظيم الإداري للدولة يقوم على فكرة توزيع السلطات بين الأجهزة المركزية والمحلية، وذلك لغرض أن تتفرغ الأجهزة المركزية لرسم السياسة العامة للدولة، إضافة إلى إدارة المرافق الوطنية في البلاد، وأن تتمكن الأجهزة المحلية من تسيير مرافقها المحلية بكفاءة.
وبالتالي فإن اللامركزية لا تعني انفصال الأجزاء عن الكل أبداً، كما أنه لا تعني تقسيم البلاد إلى أجزاء منفصل بعضها عن بعض؛ بل تعني أن الروابط الاقتصادية والإدارية والسياسية تبقى موجودة بين المركز والمحليات، كما أنها تبقى موجودة بين المحليات بعضها بين بعض، لكن ما يختلف هو طريقة وصلاحية ممارسة تلك الروابط والشكل التنظيمي والمالي الذي تخضع له.
ولا يمس تطبيق اللامركزية بهذا الشكل من الوحدة السياسية والقضائية والتشريعية للدولة؛ إذ تبقى تلك البنى ثابتة ومطبقة على جميع المواطنين في كل أنحاء البلاد، فالسلطة السياسية واحدة، والتشريعات الأساسية واحدة، والجيش واحد والشرطة واحدة، والبرلمان واحد، والسياسة الخارجية واحدة، والعملة الوطنية واحدة وتعود صلاحياتها ومسؤولياتها للسلطة المركزية وحدها.
أما إدارة الموارد المحلية والاستثمارات ومسؤوليات وصلاحيات الأجهزة الحكومية في بقية القطاعات المحلية مثل قطاعات التربية والصحة والزراعة والصناعة والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية سيعود أمر تنظيمها بموجب القانون للمجالس المحلية المنتخبة تنظيماً حقيقياً.
وبالنتيجة فإن تطبيق اللامركزية لا يؤدي إلى "التقسم"، بل يؤدي إلى "التنظيم"، تنظيم المؤسسات، وتنظيم الموارد الطبيعية، وتنظيم الموارد البشرية، وتنظيم الموارد المالية، وتنظيم العملية الديمقراطية، وتنظيم تحمل المسؤوليات، ببساطة شديدة إنها طريقة لتنظيم المجتمع.