هاشتاغ - رأي: نضال الخضري
تحول السوريون إلى فريقين افتراضيين عام 2011م، وكان السياسي يتغذى على ما سُمي في تلك المرحلة بـ "ثوار الكيبورد"، وعلى الرغم من أن تأثير هذا الأمر كان كارثياً في الأرض، فإن الأمر يتكرر اليوم ليس بالانقسام؛ بل بتعزيز السرديات المتشعبة التي تتحول تحولاً سريعاً إلى تصدع اجتماعي.
في بداية الاضطراب السوري كان الناس يذهبون نحو وسائل التواصل الاجتماعي هروباً من الإعلام الرسمي الذي واجه حقيقة صعبة؛ فأحادية الخطاب تصدعت أمام سيل السرديات التي دعمتها وسائل إعلام ومنصات من الخارج، واليوم هناك واقع مشابه ولكن بصيغة جديدة؛ إذ لا وجود لإعلام رسمي وتبقى منصات التواصل الوسيلة الوحيدة لتداول الأخبار، ولتحديد أسعار العملة السورية، ولرسم تصورات افتراضية لشكل سوريا.
وسط قتامة المشهد الإعلامي فإن وسائل التواصل أصبحت ساحة صراع، وربما لم يسمع السوريون إلا مؤخراً عن "الذباب الإلكتروني" الذي يجعل من الكراهية وتأجيج التناقض وظيفة معتمدة، فتتشكل رواية جديدة للحرب السورية تركز على القدرة في السيطرة على "الفضاء الافتراضي"؛ على الرغم من أن القنوات الإخبارية من عربية بالأخص وغيرها كانت تؤدي دور الذباب الإلكتروني حينها؛ وذلك ضمن الصراع لاستقطاب الرأي العام على معارك يغذيها الوهم، ولكنها في النهاية تعيد تشكيل الثقافة السورية وفق منطق جديد يعتمد على السرديات ونقيضها، وينقل المشهد السوري إلى معركة فيها أكثر من "بؤس" فكري؛ لأنها تجعل الواقع ملوناً برغبات زائفة أو حتى قاتلة.
وسائل التواصل الاجتماعي كانت على مستوى سوريا مساحة اختبار للاختراق السياسي، وهي اليوم اختبار أيضاً ولكن للتوازن الاجتماعي، ففي ظل واقع مشوش وحالة من عدم اليقين بهوية المستقبل فإن المساحة الافتراضية تزيد من التشويش، وغياب الإعلام يكرس حالة غير مسبوقة للسوري الذي اعتاد صورة نمطية لا توجه رأيه؛ بل تطمئنه بأن الدولة موجودة على الأقل على المستوى الإعلامي.
الضعف في إدارة الدولة جعل من وسائل التواصل أكثر من مصدر غير موثوق للخبر، فهناك أدوار جديدة مرتبطة بإشاعة حالة من الذعر أحياناً، أو تقديم أحلام مستحيلة، وتجد من إمكانية ظهور تنظيم مدني ذاتي نتيجة المخاطر أو حتى لتثبيت بيئة اجتماعية آمنة، فالبديل عن أي شكل مدني تسرقه وسائل التواصل وتحاول تأدية دور "القائد الافتراضي" الذي لا يملك أي ركيزة اجتماعية.
ربما تستطيع وسائل التواصل تحشيد الرأي العام لكنها غير قادرة على تنظيمه تنظيماً فعالاً، فالركون في تلك المساحة الخائفة والمليئة بالشكوك تترك المجتمع في حالة من العبث أمام آراء ومواقف وشخصيات مجهولة ومنصات ترمي الأخبار وتحدد المسارات، ولكنها تبقى بعيدة عن طبيعة العلاقات التي اعتادها السوريون، فهناك محاولات استبدال للبنى الاجتماعية والسياسية بأشكال افتراضية تنهار بسرعة عند ظهور خبر جديد حتى ولو كان مختلقاً.
وسائل التواصل لا يمكنها تكريس بناء اجتماعي لأنها جزء من الحياة المعاصرة وليست أساساً، وهي نتيجة التقنيات وما تخلفه على المستوى الثقافي ووجودها في ظل غياب بُنى المجتمع الحديثة يضع سوريا في مساحة هشة ويتركها لعبثية "الذباب الإلكتروني".