هاشتاغ - رأي مازن بلال
ما طرحه السفير الأمريكي في تركيا، توم باراك، عن سوريا يشكل الحلقة المفرغة الجديدة في سياسة واشنطن تجاه المنطقة، فبعد تعيينه مبعوثاً أمريكياً إلى سوريا ولقائه رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في تركيا؛ ظهرت تصريحاته لتكشف أن المقاربات التي قدمها تحمل "أحلاماً" لا تصورات سياسية، وعلى الرغم من أن تقسيم المنطقة يشكل وتراً حساساً للسوريين من "سايكس-بيكو"، لكن السفير الأمريكي شطب الحقبة السياسية ونتائج الحروب وحتى نفوذ تركيا الحالي في المنطقة.
التصريحات التي ساقها تلامس اليوم السياسات التركية، فمسألة "سايكس-بيكو" هي ترميز لمرحلة الضعف التركي، ولانحسار الدور العثماني في المشرق، والعودة إليها اليوم يعبر تعبيراً واضحاً عن توجه لإعادة ذلك الدور وبآليات جديدة، فتعقيدات المنطقة لم تبدأ بالصراع الفرنسي-البريطاني على المنطقة إنما بتحول الميزان الدولي منذ الثورة الصناعية الذي جعل الدولة العثمانية تتحول تحولاً بطيئاً نحو الانكفاء.
عملياً فإن الانفتاح الأمريكي على دمشق تم بوساطة الرياض، لكنه يتأسس في أنقرة بوصفها دولة محورية في النظام الإقليمي، والمسألة السورية بكامل أوراقها أصبحت وبإرادة أمريكية ضمن مهام الخارجية التركية، وهذا الأمر كان واضحاً في زيارة الرئيس الشرع تركيا ولقائه "باراك" بدلاً من أن يبدأ المبعوث الأمريكي مهمته بزيارة دمشق، فنحن أمام عاملين أساسيين:
الأول أن تركيا لا تملك فقط "سماحاً" أمريكياً بالتحرك في سوريا؛ بل أصبحت "البوابة الإقليمية" للمسألة السورية، وهو أمر كان متوقعاً ولكنه اليوم يُؤسس من جديد بجهد دبلوماسي ترعاه واشنطن.
من الصعب فهم الدور التركي الحالي من دون مسألة "التهدئة" السورية-"الإسرائيلية"، فمهام أنقرة لا تتعلق بترتيب البيت السوري بالداخل؛ بل بالمساعدة في بناء "دولة محايدة" أيضاً، وبصرف النظر عن نجاحها أو فشلها في هذا الموضوع، لكن العلاقات الأمنية والعسكرية كافة تؤشر على أن أنقرة تعمل لإيجاد "منظومة" تعاون ثلاثية مع سوريا و"إسرائيل" لاستيعاب ثمانية عقود من الصراع.
العامل الثاني يرتبط بالسوريين الأكراد، فالمشروع السياسي السوري المطروح المرتبط بالفيدرالية لم يفقد موقعه، لكنه أصبح في مساحة دور أنقرة المركزي لا دمشق، وأي حلول لشمال سوريا الشرقي باتت مرتبطة بعلاقة تركيا مع التشكيلات الكردية التركية.
سيختلف وضع السوريين الأكراد عن الحالة السياسية في إقليم كردستان العراق، فمن الصعب إيجاد معادلة سياسية شبيهة لما حدث في العراق في ظل الدور التركي الحالي، أو حتى في مساحة العمل الكردي في سوريا نتيجة حساسية أنقرة تجاه التشكيلات الموجودة في الجزيرة السورية، وهي أوجدت حزاماً أمنياً ضيقاً عند حدودها مع سوريا؛ يشكل مشروعاً للحد من أي حالة لا تتوافق مع دورها الإقليمي.
المبعوث الأمريكي إلى سوريا وفي منصة "إكس" كشف بطريقة غير مباشرة عن اهتمام أمريكي هامشي لأبعد الحدود بالشأن السوري، فتركيا، لا العرب الذين سعوا إلى رفع العقوبات عن سوريا، هي من ستتولى ترتيب الأمن الإقليمي من البوابة السورية، وهي أيضاً ستتحرك بنفوذها لتحريك مسارات السلام والتطبيع مع "إسرائيل".
من الصعب فهم الدور التركي الحالي من دون مسألة "التهدئة" السورية-الإسرائيلية