هاشتاغ - رأي أيهم أسد
يرتكز تعافي الاقتصاد السوري ارتكازاً كبيراً جداً بقدرته على الوصول إلى إمدادات مصادر الطاقة المختلفة من نفط وغاز وكهرباء، فعجلة إنتاج المصانع لن تدور من دون طاقة، كما أن إعادة الإعمار لن تتم من دون طاقة، إضافة إلى الأنشطة الاقتصادية اليومية للإدارة العامة وللمنشآت الصغيرة والمتوسطة وللقطاعات الاقتصادية كلها من خدمات ونقل وزراعة تحتاج إلى الطاقة يومياً، وهذا يجعل الطاقة عصب التحول الاقتصاد السوري في المرحلة القادمة والركيزة التي لا غنى عنها من أجل استمرار التعافي والتنمية.
وعلى الرغم من حصول سوريا على تمويل سابق من دولة قطر لإمدادات الغاز من سفينة التخزين وإعادة التغويز العائمة الموجودة في ميناء العقبة مدة ثلاثة أشهر والتي بدأت منتصف شهر آذار/ مارس 2025م، ثم حصولها، وتوقع حصولها، ابتداء من 22 أيار/مايو 2025م على الغاز من تركيا بكمية 2 مليار متر مكعب سنوياً لدعم إنتاج الكهرباء المحلي بين (1200- 1300) ميغا/واط بموجب الاتفاقية الموقعة بين البلدين.
وعلى الرغم من أن اتفاقية الغاز مع تركيا تستهدف معالجة فجوة الطاقة في سوريا والمقدرة يومياً بنحو 17 مليون متر مكعب من الغاز (تحتاج سوريا يوميًا إلى 23 مليون متر مكعب من الغاز لا تتوفر حاليًا سوى 6 ملايين متر مكعب فقط).
وعلى الرغم من استكمالها الربط الكهربائي بخط 400 كيلو فولت لنقل الكهرباء بكفاءة من تركيا إلى سوريا، وعلى الرغم من توقعات دول الجوار الإقليمية وتحديداً لبنان من الاستفادة من موقع سوريا الجغرافي لحصولها على الغاز والكهرباء عبر سوريا والذي ربما يدعم سوريا مالياً إن كانت هناك تعرفة عبور.
على الرغم من ذلك، فإن تلك المصادر سواء التمويلية لدعم سوريا بدفع ثمن الغاز أم الغاز نفسه أم من إيرادات العبور، قد لا تدوم إلى الأبد، وربما ترتبط بشروط اقتصادية وسياسية معينة غير معلنة، كما أن تلك الإمدادات تتعلق بالعلاقات السياسية بين سوريا ودول الجوار، أي أنه في حال حدوث أي خلافات سياسية فإن إمدادات الطاقة سواء كهرباء أم غاز أم حتى تمويل لهما قد تتوقف فوراً، وهذا معناه إرجاع الاقتصاد السوري إلى نقطة الصفر تماماً.
وبالتالي فإنه من دون توفر بدائل اقتصادية داخلية حقيقية من أجل عدم الارتهان بملف الطاقة للسياسة الخارجية وتقلباتها فإن أي حديث عن حل لأزمة الطاقة في سوريا هو حديث لا معنى له إلا مؤقتاً جداً.
وطالما أن العقوبات الأمريكية والأوروبية قد عُلقت عن الاقتصاد السوري، وطالما تحرر قطاعي الطاقة والتمويل من تلك العقوبات فإن الفرصة باتت متاحة للسوريين من أجل العمل لإعادة إعمار البنية التحتية لقطاع الطاقة لإعادة سيطرة الدولة السورية على ذلك القطاع تترافق ذلك مع ضرورة استعادة السيطرة على حقول النفط الأساسية في شرق سوريا، إضافة إلى دعم الإنتاج والتصدير لتوليد فائض مالي يكون قادراً على تمويل استيراد الغاز والكهرباء استيراداً مستقلاً عن الخارج.
وبالنتيجة، فإنه حتى الآن، ما زالت الحكومة السورية تعمل لتطبيق الحلول الإسعافية في ملف الطاقة، وهو مبرر لمدة زمنية قصيرة، لكن لا بد لها من التفكير جديًا في إعادة ترميم ما دمرته الحرب من البنية التحتية لقطاع الطاقة وامتلاكها فائضاً اقتصادياً داخلياً كي لا تبقى رهينة إمدادات الطاقة الخارجية أياً كان مصدرها، وكي لا يتحول الحل المؤقت إلى حل دائم.