هاشتاغ - رأي مازن بلال
أحداث السويداء وقبلها صحنايا وجرمانا كشفت معضلة أساسية في سياسات دمشق العامة، فالمسألة في عمقها لا ترتبط بشريط تم تسريبه، أو بحجة الممانعة ضد السلطة الجديدة كما تم التلفيق عنه في الساحل السوري، إنما بالتصور العام للدولة التي لا يمكن فهمها من دون ارتباط تاريخي – جغرافي، فـ"الأقليات" السورية هي في النهاية مكونات سيادية لا يمكن فهم سوريا من دونها.
التكوين السوري وحتى قبل الاستقلال معقد ومتداخل يكسر مفهوم "الأقليات" و "الأكثرية"، ويجعل من المجتمعات المحلية أيضا حالة وطنية بسبب التشابك في العلاقات والمصالح، والمفارقة هنا أن تصنيف السوريين وفق "مفهوم الأقليات" يضعهم في مجال التحكم الجغرافي سواء في الساحل أم على شريان الحدود الجنوبية، أم حتى في الجزيرة السورية بوصفهم خزانا اقتصاديا، فالتعامل مع المكونات الاجتماعية يصبح مسألة خطرة من دون فهم هذا التوزع الذي جعل سوريا بكاملها شبكة مركبة من السكان والمصالح الاقتصادية.
عمليا فإنه من اللحظات الأولى التي انتهت فيها سلطة البعث ظهر "خطاب الأقليات" من خارج سوريا، وهذا الأمر كان من تداعيات ظهور تحالف الفصائل الذي سيطر على دمشق بتاريخها القصير الذي يعبر عن "تفكير سلفي"، وفي غضون أربعة أشهر تحولت ثقافة الدولة باتجاه خاص على الرغم من أنه غير معلن، وبات واضحا أن هوية الدولة تتحول حاملة معها ثقافة فرض سياسات عامة يصعب معها استيعاب التكوين السوري عموما.
بالتأكيد فإن السويداء كانت حالة صعبة منذ بادية الأحداث عام 2011م، ومع تآكل مركزية القرار في دمشق واتساع نطاق المعارك كان واضحا أن "جبل العرب" يحتاج إلى معالجات تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الحرب الدائرة، والقفزة الجديدة ظهرت بعد 8/كانون الأول/2024م، عندما ظهر شكل واحد للسلطة الجديدة، وتراكمت الأسئلة مع استخدام "إسرائيل" ودول العالم مسألة حماية "الأقليات" الذي يعيد التاريخ إلى عام 1860م، على الرغم من أنها كانت ضد مكون سوري آخر.
التاريخ لا يعيد نفسه لكن المعضلة تبدو نفسها، ففهم سوريا لا يبدأ بالاعتراف بالمكونات كلها فقط؛ بل أيضا بالجغرافيا التي لا تحمل التجزئة لأنها حالة موت سريري للمكونات السورية كلها، وفي المقابل فإن العلاقات الداخلية تفترض سياسات عامة تعترف بمخاوف الجميع وبأن السيادة السورية تستند إلى طبيعة العلاقات القائمة بين جميع المكونات.
مسألة الحماية الدولية هي الفخ الذي يظهر نتيجة السياسات العامة، ويعبر عن أن الخطر يبدأ من المفاهيم التي تنطلق منها السلطة السياسية، وهو من تداعيات البنية السياسية التي يجب أن تظهر وتنتشر بدلا من خطاب التحريض الذي يتوسع من دون منافس، ويتطلب عودة شكل التشكيلات السياسية والمدنية الطبيعي.
السيادة اليوم على محك السياسات العامة، وما جرى في محيط دمشق والسويداء مؤشر أساسي على التحديات السورية المعاصرة، فالبنية الداخلية هي في النهاية القوة التي يمكن عبرها العبور بسوريا إلى مرحلة ما بعد الحرب.