هاشتاغ
بحث

من مظلومية الطائفة إلى مظلومية المواطن.. الطريق نحو وعي وطني سوري

11/06/2025

من-مظلومية-الطائفة-إلى-مظلومية-المواطن..-الطريق-نحو-وعي-وطني-سوري

شارك المقال

A
A

هاشتاغ – رأي: سعد لوستان

 

منذ عام 2011 دخلت سوريا في نفق دموي طويل لم يكن نتاج لحظي أو حوادث عرضية، بل نتيجة تراكمات من القمع السياسي، والإقصاء المجتمعي، واستثمار المظلومية الطائفية كأداة للسيطرة والتجييش لدى كل أطراف العنف والصراع.

 

ومع تعقّد المشهد لم يعد الصراع يدور فقط بين "ثورة" و"نظام" بل أصبح أيضاً صراع سرديات بين الطوائف، يبرر كل طرف فيه مواقفه بخلفية من الألم والخوف والتهديد الوجودي


الخطير اليوم، كأننا غير معنيين بمناقشة الحلول وسبل الخلاص بل نتبارى في جرد فواتير التاريخ، منتظرين من كل طائفة أن تسدد مستحقات الماضي

المظلومية سلاح سياسي اجتماعي

لطالما استُخدمت المظلومية في الخطاب الرسمي والمعارض على حد سواء، لتسويغ مواقف عنف أو شرعنة اصطفاف ما.

وفي المثال على ذلك، برز النظام السوري في تصوير نفسه كحام للأقليات وصمام أمان بين الطوائف ضد الإرهاب الديني على وجه خاص، بينما وظفت الكثير من قوى المعارضة وجماهيرها، خطاب "المظلومية السنيّة" في مواجهة هيمنة "الأقلية العلوية" الحاكمة.


المأساة السورية المشتركة.. الضحية لا الطائفة

ما قام به النظام الطائفي في داريا والحولة وريف دمشق وجوبر وبانياس، وفي السجون مثل صيدنايا، تجاوز كونه مجرد صراع بين نظام استبدادي ومعارضة ديموقراطية، بل بات تدميراً للمجتمع السوري بكل مكوناته، حيث تحولت المشكلة من سياسية إلى وجودية في وعي وذهنية أبناء تلك المناطق المنتَهَكة المنتمين إلى مكوّن سوري ذو غالبية مذهبية سنيّة، مع وجود ضحايا من مكونات أقلوية أخرى.


كما نفذت فصائل من المعارضة السورية المسلحة، ذات التوجه الديني السُّني، هجمات ممنهجة استهدفت تجمعات سكنية مدنية، في عمليات أثارت جدلاً واسعاً، وسط دعم وتغاضٍ إقليمي ودولي، وقد تجلّى ذلك في استهداف مساكن عدرا العمالية ذات الغالبية العلوية، وقرى الساحل السوري، بالإضافة إلى حادثة دوما الشهيرة التي تم فيها احتجاز نساء علويات داخل أقفاص حديدية وعرضهن في الساحات العامة، ما أثار صدمة عميقة لدى الرأي العام السوري والدولي، واعتُبر حينها انتهاكاً صارخاً لأعراف الحرب وحقوق الإنسان.

 

تجاوز الانقسام لا يعني نسيان الماضي، بل يتطلب تفكيك استخدامه كأداة للصراع، والانتقال من "وعي الجماعة" إلى "وعي الدولة" كخطوة أولى نحو إنهاء الحلقة المفرغة من الانتقام والتخوين.

 

لكن الخطير اليوم، وبعد سقوط نظام الأسد، كأننا غير معنيين بمناقشة الحلول وسبل الخلاص وتحقيق العدالة، فلا نعيش هماً لإنقاذ وطن، بل نتبارى في جرد فواتير التاريخ، منتظرين من كل طائفة أن تسدد مستحقات الماضي للطائفة الأخرى، حيث نجدنا نتنازع على من يستحق لقب "الضحية" بدلاً من صفة مواطن.

 

جرى استخدام المظلومية الطائفية غالباً لإدامة الانقسام، ليعاد تدويرها عبر السرديات التاريخية التي تعزز ثنائية: الضحية-الجلاد.

 

أما المظلومية المواطنية فتفتح الباب لمشروع وطني جامع، يرتكز على الحقوق الفردية وليس على الانتماءات الجماعية الضيقة


المثال الرواندي.. ننسى أم نتصالح؟

يبدو المثال الرواندي مفيدا للإستئناس وأخذ العبر، فبعد إبادة جماعية ذهب ضحيتها قرابة المليون إنسان عام 1994 استطاعت رواندا خلال عقدين بناء دولة حديثة تقوم على محاسبة عادلة وعدالة انتقالية ومصالحة جماعية، حيث منعت استخدام التصنيفات العرقية قانونياً وإعلامياً (تقرير مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة 2014 عن العدالة الانتقالية في رواندا، يسلّط الضوء على دور "محاكم القتشاكا" الشعبية في خلق ذاكرة مشتركة).


نحو خطاب جديد

لا يُطلب من السوريين نسيان الماضي، ولكن يُطلب منهم بالضرورة أن لا يجعلوه خريطة طريق للمستقبل، وتجاوز المظلومية الطائفية لا يعني إنكارها، بل فهمها في إطارها الأوسع، أن المواطن هو من يدفع الثمن دوماً، بغض النظر عن طائفته، هذا هو الوعي الذي يصنع وطناً لا جماعة.

 

خلال حياتي وتجربتي السياسية تعرّفت على مصطلح وممارسة "تداول السلطة" وهو أمر موجود في جميع الدول التي نجحت شعوبها في إنتاج الدولة الوطنية الديمقراطية، لكن السوريين ابتكروا حالة سياسية جديدة تماماً ألا وهي "تداول المظلومية"!


التعليقات

الصنف

خطوط حمر

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025