رأي – أيهم أسد
تعد زيادة رواتب وأجور العاملين المدنيين والعسكريين المتقاعدين الصادرة بالمرسومين (102) و (103) المؤرخين يوم 19 حزيران 2025م والصادرين يوم 22 حزيران 2025م واحدة من كبرى الزيادات على أجور العاملين الاسمية في القطاع العام منذ سنوات بعيدة، وهي جزء من الزيادة التي وعدت بها الحكومة الانتقالية منذ توليها السلطة نهاية عام 2024م، ونتيجة تلك الزيادة يصل الحد الأدنى للراتب والأجور في سوريا إلى 750 ألف ليرة، أي نحو (80) دولاراً للفرد بالشهر، علما أنه ما زال تحت خط الفقر العالمي الجديد للدول منخفضة الدخل والمقدر بـ (3) دولارات للفرد الواحد باليوم، أي (90) دولاراً للفرد الواحد بالشهر.
وعلى الرغم من الأهمية الاسمية لهذه الزيادة إلا أن الاستفادة الحقيقية منها من قبل العاملين في القطاعات العام والخاص والمشترك وتحويلها إلى زيادة حقيقية في الدخل وتمكين العاملين من الاحتفاظ بقوتها الشرائية تبقى محكومة بعوامل أساسية عدة أهمها:
أولاً: استمرار السيطرة على سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار والحد من ارتفاعه، فأي ارتفاع في سعر الصرف كفيل بأن يقضي على جزء كبير من زيادة الرواتب والأجور بسبب ارتباط الكثير من السلع في الأسواق المحلية بسعر الصرف، وهذا هو بالضبط دور مصرف سوريا المركزي وتحديداً في الحد من دور شبكات الصرافة غير الرسمية المتحكمة بتسعير الدولار يومياً.
ثانياً: استمرار السيطرة على أسعار التجزئة في الأسواق لمنع زيادة الأسعار من قبل التجار، علما أن عدم زيادة الأسعار في السوق سيؤثر إيجاباً في زيادة الطلب على المنتجات الأساسية بالدرجة الأولى وبالتالي زيادة الإنتاج، أي أن المنطق يقول بعدم رفع الأسعار من قبل المنتجين والتجار؛ لأن مصلحتهم تقتضي ذلك، وهنا يأتي دور وزارة الاقتصاد والصناعة بإدارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
ثالثاً: استمرار عمل وزارة المالية نحو زيادة الحد الأدنى للرواتب المعفى من ضريبة الدخل ونحو تخفيض معدلات الضريبة على شرائح الدخل بعد الزيادة، والبحث عن مصادر تمويل مستدامة للزيادة الحالية والزيادات المستقبلية بالضرائب والرسوم على رؤوس الأموال وعائدات الدولة من أملاكها المختلفة بما يحقق العدالة الضريبية أكثر.
رابعاً: إلزام القطاع الخاص بزيادات مماثلة للعاملين لديه وإلزامه تسجيل عماله بالتأمينات الاجتماعية بأجورهم الحقيقية التي يتقاضونها لحفظ الحقوق التأمينية والتقاعدية لهؤلاء العمال، وهنا يأتي دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وغرف الصناعة والتجارة واتحادات العمال في مراقبة بيانات التسجيل وقيم الأجور الحقيقية المدفوعة للعمال.
خامساً: استمرار ربط تغيرات الرواتب والأجور بمستويات المعيشة وبأمن الدخل للمواطن السوري بحيث يرتبط الحد الأدنى للرواتب والأجور بتطور الحاجات الإنسانية الأساسية للناس بما يحقق كرامتهم البشرية ولا يدفعهم للحاجة والعوز.
وفي حال العمل لتحقيق البندين الأول والثاني، أي سعر الصرف وأسعار السوق، والتحكم بهما فإنه من غير المتوقع أبدا أن تسبب زيادة الرواتب الحالية أي زيادة في معدلات التضخم وخاصة أن الطلب على مواد الاستهلاك الأساسي عند شريحة الموظفين غير مشبع بالكامل، وأن الزيادة الحالية في الرواتب سوف تتحول إلى زيادة كاملة في الإنفاق على الاستهلاك الأساسي وأن العرض في الاقتصاد قد يستجيب؛ لذلك الإنفاق في ظل الثبات النسبي الحالي للتكاليف عند المنتجين وأن تنشيط السوق فيه مصلحة المنتج والتاجر والمستهلك والحكومة.
في حال السيطرة على سعر الصرف وضبط أسعار السوق فإنه من غير المتوقع أبدا أن تسبب زيادة الرواتب الحالية أي زيادة في معدلات التضخم.