هاشتاغ - رأي مازن بلال
تصاعد الحديث عن إمكانية السلام مع "إسرائيل"، ومع غياب التصريحات الرسمية السورية فإن الإعلام "الإسرائيلي" على وجه الخصوص يستعرض هذا الموضوع كخط مواز مع التغطيات الخاصة بنتائج الحرب على إيران، فمسألة القوات المفتوحة بين دمشق و "تل أبيب" تظهر كعلامة فارقة لتأكيد هزيمة طهران.
عملياً فإن مفارقة السلام مع "إسرائيل" تظهر في بعض التصريحات بـ"إنهاء العداء"، بينما يبقى العمق الذي تأسس عليه هذا "العداء" قائماً مهما اختلفت الأنظمة السياسية في المنطقة، فبصرف النظر عن الشعارات التي ظهرت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لكن مسألة الصراع مع "إسرائيل" ليست "صفقة" يمكن أن يعقدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما نجح في بعض الدول يصعب إنجازه سريعاً وفق الطريقة التي يتم الحديث عنها اليوم.
هناك جغرافيا للصراع لا يمكن تجاوزها، وهي ظهرت مع دولة "إسرائيل" ليس فقط "ككيان غاصب" وفق المصطلحات القديمة؛ بل أيضاً كنفوذ على أطول ساحل في شرقي المتوسط تتحكم به دولة واحدة، وباستثناء تركيا، فإن "إسرائيل" تمثل دولة بحرية بطموح مختلف عن باقي دول المنطقة، وفي سنوات الصراع فإن "القضية الفلسطينية" بقيت داخلياً مسألة "حقوق" تم اغتصابها، لكنها على المستوى الإقليمي أظهرت ديناميكية مختلفة يمكن قراءتها بأمرين:
الأول أن الصراع على الجغرافيا سواء في الجولان أم في الضفة الغربية وسابقاً سيناء تحول من مسألة الأمن إلى ضمان النفوذ الإقليمي، فمن دون هذا النفوذ تفقد "إسرائيل" القوة الأساسية التي تعتمد عليها اليوم بوجودها.
في عام 1948 لم يكن هذا الأمر ظاهراً؛ لأن الاهتمام "الإسرائيلي" انصب على الطاقة البشرية لاستمرار الدولة، بينما تتجه اليوم نحو التنافس الإقليمي الذي اتضح منذ حرب تموز أنه ضروري لوجودها، وأنها في حربها مع حزب الله وحماس كانت تفتقد الأذرع الإقليمية الكافية ليس لحسم الحرب؛ بل أيضاً لاستمرار وجودها وسط محيط متناقض ثقافياً على الأقل معها.
الثاني هو تجربة السلام مع مصر التي حيدتها عن المجابهة لكنها كشفت الجغرافيا "الإسرائيلية" من الجنوب، فتصاعد حماس ليس بعيداً عن هذا الأمر، وخسارة سيناء لم تكن ثمناً باهظاً لإخراج مصر من الصراع فقط؛ بل أيضاً نقطة تحول في شكل الصراع عموماً.
ما حدث في سيناء يمكن أن ينطبق اليوم على الجولان، فهناك جغرافيا حاكمة في "الشرق" لا تجعل "إسرائيل" مهددة فقط؛ بل تحرمها أيضاً من ميزة التنافس الإقليمي؛ لأن الجولان هو عقدة اتصال بالدرجة الأولى وخزان ومياه، والنفوذ "الإسرائيلي" فيه يشكل قدرة دمشق على التحكم بالمنفذ الجنوبي الذي يشكل بوابة سوريا باتجاه الخليج.
الحديث عن السلام يظهر اليوم كاتفاق يحافظ على النفوذ "الإسرائيلي" وفي الوقت نفسه يحرم دمشق من "جغرافيا القوة" التي يمثلها الجولان كنقطة حاكمة ليس فقط بدمشق؛ بل حتى بطرق الاتصال مع الجنوب عموماً، وبصرف النظر عن المواقف السياسية فإن أزمة السلام هي في النهاية "سلامة الجغرافيا" السورية من حلب نحو دمشق.