هاشتاغ - زياد شعبو
من السهل أحيانا أن تكتب عن بعض المباريات، وخاصة تلك التي تحمل هوية واضحة يفوز فيها فريق أنجز كل ما يتعلق بكرة القدم بمباراة واحدة، فما بالك أنها المبا اة النهائية لدوري أبطال اوروبا.
نعم، باريس سان جيرمان يكتب تاريخه الجديد كبطل لدوري أبطال أوروبا 2025 للمرة الأولى في سجلاته، في مباراة فاز فيها بخمسة أهداف دون مقابل أمام نادي "انتر ميلان" صاحب الهوية التكتيكية الدفاعية والبصمة الجينية الإيطالية.
هناك في ميونخ كان الإسباني لويس انريكي يفوز بأكبر نتيجة في النهائيات منذ مطلع الألفية، وثالث أكبر نتيجة بتاريخ دوري أبطال أوروبا.
لويس إنريكي لم يحصل سابقاً على التقدير الذي يستحقه - ظلّ في ظلّ الثلاثي "MSN" في برشلونة واعتُبر محظوظاً أكثر منه مبدعاً، لكن في باريس حفر اسمه بيده
لويس انريكي وتحويل باريس إلى فريق
لم يعد باريس سان جيرمان فريق النجوم بقدر ما أصبح فريق المدرب، فبعد سنوات من البهرجة المبالغ فيها، والرهان على الأسماء اللامعة أكثر من الرؤية التكتيكية، جاء لويس إنريكي (55 عاما ) ليمنح النادي الباريسي وجهاً مختلفاً، لا يعتمد على اللمعان الخارجي بل على البناء الداخلي المتماسك.
لم يكن الأمر مجرّد صرامة تكتيكية أو شخصية قوية، بل مشروع متكامل يقوم على فلسفة متجذّرة في الاستحواذ، والضغط، والانضباط الجماعي.
لأول مرة منذ سنوات، يبدو سان جيرمان وكأنه يعرف ما يريد. فالمدرب الإسباني لم يأتِ في 2023 ليجامل أحداً، ولا ليكون مجرّد مدير لغرفة ملابس مترفة، بل جاء ليصنع "فريقًا"، وهي الكلمة التي لم تكن توصف بها التشكيلة الباريسية في زمن ميسي ونيمار ومبابي. ومع تتويج تاريخي بثلاثية غير مسبوقة، لم يعد بالإمكان إنكار أن لويس انريكي هو الرجل الذي غيّر المعادلة في حديقة الأمراء.
الثورة التي جاءت من الداخل
ما فعله انريكي لم يكن مجرد انتصارات على الورق، بل إعادة تشكيل للحمض النووي الرياضي للنادي.
لم يتردد في تهميش مبابي نفسه حين استدعى الأمر، وأعاد ضبط بوصلة الفريق بحيث لا أحد يعلو فوق المنظومة.
طلب أجهزة متطورة لرصد الحالة البدنية للاعبين، أعاد تنظيم الطاقم الفني، وتخلص من لاعبين كانوا يُعتبرون أعمدة أساسية. كل هذا ضمن خطة تهدف إلى خلق ثقافة تنافسية مستقرة، قائمة على الأداء والانضباط لا على الأسماء.
بدا إنريكي وكأنه يرسل رسالة واضحة للجميع: "من لا يلتزم، لا مكان له". هذه الجرأة على اتخاذ قرارات غير شعبية، بدءاً من ضبط عثمان ديمبلي وانتهاءً برحيل كتيبة كاملة من اللاعبين وآخرها مبابي الذي ظن الجميع أنه هوية النادي ورحيله نهاية النادي، كل هذا يؤكد أن إنريكي ليس مجرد مدرب، بل قائد مشروع طويل الأمد.
لويس إنريكي لم يحصل سابقاً على التقدير الذي يستحقه. ظلّ في ظلّ الثلاثي "MSN" ميسي سواريز نيمار في برشلونة، واعتُبر محظوظاً أكثر منه مبدعاً. لكن في باريس، حفر اسمه بيده. لم يكن لديه نيمار ولا ميسي ولا سواريز ولا حتى مبابي . بل امتلك إرادة، ونظاماً وشجاعة. وبعد 10 سنوات من لقبه الأول بدوري الأبطال، عاد ليظفر بالثاني مع فريق كان يفتقد طوال تاريخه لهذه اللحظة الحاسمة.
إنريكي لم يُتوج فقط بكأس، بل بلقب أكبر: المدرب الذي أعاد تعريف باريس سان جيرمان. الفريق الذي كان مرادفاً للضجيج والفوضى، بات فجأة مدرسة في الانضباط التكتيكي. هذه ليست مجرد طفرة عابرة، بل بداية مرحلة جديدة قد تضع النادي الباريسي أخيراً في مصاف الكبار بثقافة مستدامة، لا تُبنى على الأضواء فقط، بل على من يملك المصباح.
المتاح أمام انريكي ليس الميزانية فحسب بل قدرته على استثمارها محليا بنوعية لاعبين شباب كالموهبة ديزيه دوي الذي فاق التوقعات بسرعة قياسية متطورة كموهبة وحتى كشخصية، وديمبلي الذي أعاد انريكي ضبطه بدنيا جعله يعود لأكثر مواسمه عطاء.
التجدد مستمر اليوم مع أنريكي مع خطة واضحة للاستغناء عن عدد من اللاعبين وضم آخرين، فيما يبدو أن مستقبل النادي محليا أوروبيا مقبل على سطوة كروية عنوانها انريكي وباريس والمجد الاوربي.