هاشتاغ
بحث

أين نجد سوريا؟

09/06/2025

أيهم-أسد-هاشتاغ

شارك المقال

A
A

هاشتاغ - رأي مازن بلال


صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية تتحدث عن 16 مليار دولار من الاستثمارات والمساعدات الدولية في سوريا؛ فبعض الاتجاهات الإعلامية تنظر إلى دمشق من زاوية "الاستثمار" لا "السيادة"، بينما يطالب موقع "واللا الإسرائيلي" بحصة "إسرائيلية" بحجة مشاركتهم في إسقاط النظام السابق، وفي الوقت نفسه تنشر "الغارديان" البريطانية تحقيقاً مطولاً عن عرض الآثار السورية للبيع في مواقع التواصل، وكأن البلاد تحولت إلى جغرافيا مفتوحة في سوق المصالح، ومجرد فرصة يراد اقتناصها ليُعاد تشكيل سوريا وسط غياب الهوية التي نشأت منذ الاستقلال.


الشعب السوري منهك، على الرغم من مظاهر الترف التي تطفو على السطح بأسطول السيارات المستوردة الذي غزا الشوارع منذ بداية العام، والحياة اليومية باتت غير مألوفة، تشبه طقوس احتفال متنقل، خصوصاً في قلب دمشق؛ إذ تبدو العاصمة وكأنها تحاول إقناع نفسها بأنها استعادت الحياة، بينما السياسة تغيب وكأنها ظاهرة طارئة على هذا البلد لأكثر من نصف قرن وانتهت فجأة، فلا أحزاب في الشارع، ولا صراع أفكار، ولا جدل حقيقي؛ بل فقط "صورة" تُعرض، ويُراد لها أن تكون "الواقع الجديد"، في كرنفال طويل يفرض نفسه على الشاشات من دون أن يُستشار فيه الناس.


تشهد سوريا اليوم صدامين متوازيين:

الأول، صدام الغموض السياسي؛ إذ ترك شكل المستقبل معلقا ضمن "مرحلة انتقالية" مفتوحة، بلا جدول زمني ولا رؤية وطنية.

أما الثاني، فهو صدام الصورة والإعلام؛ فالرأي العام يُغرقنا يومياً بفيضان من الوعود والمحفزات والقصص عن "الفرص الكبرى"، وكأن التحول الاقتصادي يمكن أن يصبح بديلاً من بنية البلد الثقافية والاجتماعية.


الاستثمارات باتت عنوان المرحلة؛ بل بوابة الشرعية، ولكن، إن كان السوريون قد عاشوا أكثر من عقد ونصف بتأثير ضغط الحاجة وشح الموارد، فإنهم اليوم يقفون على عتبة تحوّل يُراد له أن يكون اقتصادياً بالكامل، خالياً من السياسة، أو حتى معادياً لها، والمفارقة أن غياب السياسة لن يُنتج استقراراً؛ بل حالة من التعب الجماعي العميق، وإرهاق يُضاف إلى ذاكرة الحرب.


الاستثمار العائم الذي يُضخ اليوم، من دون عقد اجتماعي أو تصور سياسي واضح، سيتحول إلى عبء جديد؛ لأنه يأتي بلا ضمانات، وبلا بنية مجتمعية صلبة تستوعبه، وربما يُعيد إنتاج التهميش والفوارق في نحو أكثر قسوة، فالأزمة الكبرى أن شكل سوريا القادم لا يُحدد من داخلها؛ بل يتم رسمه من الخارج، ووفق شروط اللحظة التي دفعت دمشق نحو صورتها الحالية، وبين ما يُبنى وما يُهدم، وبين الصمت الشعبي والضجيج الدولي، يبدو أن السؤال الأخطر لم يُطرح بعد، فهل نحن أمام إعادة إعمار بلد؟ أم أمام إعادة تصميم شعب؟


في ظل تغييب السياسة وتكثيف الاستثمارات، يُعاد صياغة سوريا بوصفها"سلعة" وليست وطناً، وما يتم التعامل معه اليوم لتلبية احتياجات المواطن يتم على قاعدة بناء "سوق" خارج إطار الدولة، فما يُعاد تصميمه ليس المستقبل؛ بل طريقة قبول الحاضر بصمت.

التعليقات

الصنف

خطوط حمر

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025