هاشتاغ
بحث

داعش بين فراغ الدولة السورية واستراتيجية الاستنزاف

03/07/2025

داعش-بين-فراغ-الدولة-السورية-واستراتيجية-الاستنزاف

شارك المقال

A
A

هاشتاغ - رأي: مالك الحافظ

 

في الظاهر، يبدو التهديد المتصاعد لتنظيم "داعش" في سوريا وكأنه عودة إلى مشهد دموي مألوف. غير أن ما يجري لا يندرج ضمن نسق التكرار بقدر ما يعيد إنتاج الخطر بصيغة جديدة؛ صيغة خادعة تقوم على التغلغل والاستنزاف، وعلى تكتيك التآكل البطيء لمنظومة الأمن، في دولة تقف أساساً على أرض رخوة.

 

لابد لنا هنا من القول بأن التنظيم هو نُسخة مكرّرة من الأسطورة الأمنية التي تتغذى على فراغ المعنى، وعلى هشاشة البناء السيادي في المشرق. والمفارقة أن الخطر لا يكمن في قدرته على التوسع، وإنما في قدرته على الاشتغال الرمزي.

 

من يراقب تزامن التحذيرات من عودة التنظيم مع لحظات الانكفاء السياسي أو إعادة الاصطفاف الدولي، يُدرك أن المسألة تتجاوز المعطى الأمني، فثمّة لحظة رمزية يجري فيها استدعاء "داعش" كأداة إنتاج للخوف، وكرافعة لضبط التحالفات. وما يزيد من تعقيد هذه الصورة أن التنظيم – في شكله الجديد – لا يُعلن نفسه كجماعة واضحة الأهداف، وإنما كتمظهر مضاد لكل محاولات تثبيت الواقع.

 

في هذه اللحظة، يدخل الخوف ضمن ما يمكن تسميته بـ"اقتصاد الرعب"؛ حيث يُنتَج التهديد، ويُعاد تدويره كأصل رمزي، ليتكرّس الخوف بوصفه مورداً سياسياً قائماً بذاته، يُستثمر لإدامة الحاجة إلى من يمكن رمزياً أن يواجه خطر التنظيم الإرهابي.

 

لقد أدرك التنظيم أن الحرب باتت تخاض عبر الشقوق، عبر الثغرات التي تتيح له تسلّلاً ناعماً إلى قلب المدن، بهدف الإرباك، وبناء وهم التفوق النفسي.

 

الخطر اليوم لا يكمن في عدد مقاتلي التنظيم ولا في قدراته التسليحية، بقدر ما يكمن في تحوّله إلى كيان غير مركزي. قد يجيد داعش اليوم الرهان على التناقضات، يضرب في نقطة الفراغ، ويستفيد من الانقسامات كما يستفيد من هشاشة المعنى في خطاب من يُفترض بهم مواجهته.

 

ولعلّ أبرز ما تكشفه اللحظة الحالية هو حجم العطب في بنية التحالفات القائمة لمحاربة التنظيم. فقرار التحالف الدولي بالتحرك ضد داعش بالتعاون مع "قوات سوريا الديمقراطية" دون السلطة المركزية في دمشق، وفق ما أشارت إليه تقارير صحفية، لا يحمل فقط دلالة سياسية، وإنما يمكن قراءته على أنه انعكاس لانعدام ثقة واضح في البنية العسكرية للجيش السوري الجديد. يبدو أن هناك خشية غير معلنة، لكنها محسوسة، من أن تكون هذه البنية مخترقة، وغير قادرة على خوض معركة تستلزم انسجاماً عقائدياً وانضباطاً مركزياً، بينما تبدو التشكيلات الحالية أقرب إلى إعادة تدوير لمجموعة من الولاءات المتشابكة، التي ما زالت تخضع لمنطق الجماعات أكثر من منطق المؤسسة.

 

في هذا السياق، يبدو لنا من هذه الإجراءات إذا ما صحت أو ثبت استمرارها من قبل "التحالف الدولي" أن الجيش السوري الجديد يعاني من مشكلة مزدوجة؛ تتمثل بـ هشاشة النشأة وغموض العقيدة. فهو نشأ في ظل فراغ أمني، وبمزيج غير متجانس من المقاتلين المحليين وبعض العائدين من الفصائل ذات الطابع السلفي أو العابر للحدود. هذه التركيبة تطرح أسئلة جدّية حول قدرته على أن يكون حائط صد حقيقي في وجه تنظيم إرهابي يمارس أقصى درجات التخفّي، ويُتقن اللعب على الولاءات الرمادية.

 

في المقابل، يتمتع تحالف "قسد" مع واشنطن بميزة مزدوجة؛ الميدان والخبرة. ليس فقط لأن "قسد" تقاتل التنظيم منذ 2014، بل لأنها بنت منظومة تنسيق استخباراتي–ميداني معقدة مع التحالف، قائمة على الثقة المتبادلة والانضباط العملياتي، في وقت لا تزال فيه القوات الجديدة في دمشق في طور البحث عن هويتها السياسية والأمنية.

 

من ناحية أخرى، فالجغرافيا التي قد تنشط فيها خلايا التنظيم (كما كان سابقاً في البادية السورية) ليست محض تضاريس، وإنما حواضن محتملة، تعيش على هامش الدولة، أو في ما يشبه "اللامكان" الإداري.

 

الأخطر أن هذه البنية الأمنية غير المتماسكة، سواء في الجيش أو في الجغرافيا، لا تواجه فقط تهديداً ميدانياً، بل تهديداً نفسياً أيضاً. فـ"داعش" لا يحاول الانتصار بقدر ما يسعى إلى تذكير الجميع بأنه لم يُهزم. أن يبقى حيّاً، ولو في شريط إخباري، أو في عبوة ناسفة، هو بحد ذاته انتصار رمزي. ومن هنا يصبح الصمت عن هذا الخطر نوعاً من الإنكار الذي يُعزز وجوده.

 

ما يعمّق منسوب القلق أن التنظيم لم يعد يعتمد فقط على عناصره المحليين، بل يمكن أن يكون قد أعاد إنتاج شبكاته من مقاتلين أجانب، قدامى وجدد، بعضهم انسحب في لحظة إعادة التموقع بعد سقوط نظام الأسد. هؤلاء يشكّلون "قنبلة ولاء" قابلة للانفجار في أي وقت، خصوصاً حين تغيب الرقابة الاستخباراتية الفعالة، أو حين تغدو الجيوش الجديدة مجرد مظلّة تجمع بين متناقضات لا رابط مؤسساتي وطني حقيقي بينها.


التعليقات

الصنف

خطوط حمر

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025