هاشتاغ
بحث

خربشات أنثوية

04/07/2025

خربشات-أنثوية

شارك المقال

A
A

هاشتاغ - رأي: نضال الخضري

 

 ترتسم ملامح أطفالنا من جديد على السرديات التي تتناقلها وكالات الأخبار الدولية، فحديث سوريا اليوم لا يقتصر على الاختراقات التي تنفذها "إسرائيل" أو نداءات الأمم المتحدة لإغاثة الشعب السوري؛ بل أيضاً على ملامح داخلية من الخوف الذي يلف أجيالاً جديدة وهي تنتظر ما سيحدث، فالتقارير التي تتناول بعضاً من الوضع الأمني هي في النهاية رواية بديلة لكل السوريين؛ تعيد زمن الخوف بشكل مختلف وتكتبه تاريخاً جديداً لمدن غارقة بحرب طويلة.

 

 في بداية الحرب لم نستطع رؤية تلك المسارات الغريبة التي تقود نحو وجه غير مألوف لسوريا، ولم نتصور أن عقداً ونصف ستمر علينا وتنسف ترتيب حياتنا، فكان زمن الحرب خطاً غير مفهوم لأنه أوجد حالة رعب مفاجئة، وأعاد إلى ذاكرتنا ما حدث في دول الجوار، لكن صورة سوريا بقيت في الأذهان على الرغم من موجات الهجرة والعنف، والحرب لم تنته على الأقل في الأخبار التي تنقلها الوكالات الدولية، فإن أثرها ما زال أيضاً يحفر في حياتنا وفي التفاصيل التي تصفعنا كل يوم بقصص تشبه أفلام الرعب التي تنتجها هوليوود.

 

 هناك مسارات متباينة في الحياة السورية، ورصد وقائع الحدث تختلف ما بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، ومع المساحات التي لم نعد نملكها يتضح المسار المغلق الذي لم تنجح فيه كل جهود الانفتاح الدبلوماسي؛ لأن العلاقات الداخلية باتت مكسرة وترميمها بحد ذاته هو ثقافة تحتاج إلى إبداع مختلف، وإلى شعور أن البلاد تشبه طفلاً رضيعاً يحتاج إلى الحب حتى يشعر بالأمان.

 

ما نفتقده اليوم تلك "الخربشات الأنثوية" التي توضح التعبيرات عن الحنين والحب والخوف، وعن وطن لا نعد نفهمه لكنه يظهر في وجه طفلة تسير في الشارع وتشكل امتداداً لذاكرة أنثوية "مشبعة" بالخوف، فالعنف الذي مزق الجغرافيا السورية لم يقتصر على تدمير البيوت؛ بل فتت الروابط الاجتماعية، وجعل الأنوثة في مساحة صغيرة تختصر الوطن أو تلخص سردية باتت جزءاً من حكاية ممتدة على مسار التاريخ السوري.

 

 من يستطيع فك تلك "الخربشات" سيصل إلى فهم اللغز السوري في البقاء، فالمسألة ليست رواية إخبارية، أو "فضيحة" سياسية؛ بل رغبة جامحة في البقاء داخل وطن يحاول البعض جعله "جغرافيا منفية"، بينما يستمر في وجوه النساء رمزاً للحب والحياة على الرغم من كل ملامح القهر التي يفرضها البعض، فقصة سوريا ليست حدثاً عن اختطاف نساء من الساحل؛ لأن هذا الأمر هو محاولة إلغاء لوجه سوريا الأخضر واستبدال الخصب بحالة قحط مريرة.

"الخربشات" ليست تعبيراً شعرياً بل أثراً باقياً لروح تصرّ على الحياة في وجه الموت، وتوثيق داخلي لتاريخ لا يُكتب فقط بالبيانات العسكرية ولا بموازنات السياسة؛ بل بدمعة أمّ، وبابتسامة طفلة، وبنظرة امرأة تحدّق في خراب المدينة وتخبّئ الحنين في عينيها، وتلك الخربشات التي تبدو هشّة هي اللغة الوحيدة التي لم تتلوث بعد، وصورة سوريا كما نحبها بوصفها حاضنة للدفء وليست ذاكرة للخوف.


التعليقات

الصنف

خطوط حمر

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

الكلمات المفتاحية

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025