هاشتاغ - متابعة
وسط اتهامات متبادلة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أعلن عنه وزير الدفاع السوري في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بعد عدة أيام من تصعيد عسكري بلغ ذروته ليل الإثنين - الثلاثاء، باشتباكات عنيفة شهدها حيي "الشيخ مقصود" و"الأشرفية" في مدينة حلب، وفي ظل تزايد الضغوط الأمريكية على الطرفيين، تتزايد المخاوف من اشتعال فتيل المعارك بين دمشق و"قسد" مجددا.
فقد شهدت مناطق شرقي دير الزور، مساء أمس الخميس، توترا أمنيا واشتباكاتٍ متبادلة بين وزارة الدفاع السورية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد".
ووفقا لتقارير صحفية، استهدفت طائرة مسيّرة "مجهولة" حاجزا لـ"قسد" بالقرب من محطة مياه في بلدة "مرّاط"، ما أسفر عن مقتل عنصٍر من "قسد" وإصابة تسعة آخرين بجروحٍ متفاوتة، إضافة إلى إصابة حارس المحطة وزوجته نتيجة القصف.
وعقب القصف، اندلعت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة بين الطرفين على ضفّتي نهر الفرات، وتحديدا بين منطقتي المريعية الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، ومرّاط الخاضعة لسيطرة "قسد".
كما أعلنت وزارة الدفاع السورية، في وقت سابق من الخميس، مقتل جندي وإصابة آخرين في هجوم شنته قوات سوريا الديمقراطية على نقاط للجيش في محيط "سد تشرين" بشرق حلب.
ونقلت وكالة "سانا" عن إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية قولها إن "قسد" خرقت اتفاق وقف إطلاق النار مع الحكومة أكثر من 10 مرات، باستهدافها مواقع الجيش في محاور الانتشار شرق حلب، وذلك بعد أقل من يومين على إعلان الاتفاق.
في المقابل، اتهمت "قسد" القوات السورية بمحاولة "التسلل" إلى إحدى نقاط تمركزها في ريف "سد تشرين"، وقالت إن تلك القوات استخدمت القنابل اليدوية في استهداف مقاتليها.
وأضافت "قسد" في بيان: "تعاملت قواتنا مع المجموعة المهاجمة على الفور، واندلعت اشتباكات مباشرة أسفرت عن مقتل أحد عناصر المهاجمين".
القيادي الكردي بدران جيا كرد، اتّهم فصائل "الجيش الوطني" المدعومة من أنقرة بعدم الإلتزام بالهدنة المعلَنة.
ونشر جيا كرد على مواقع التواصل الإجتماعي أن "التصعيد والتحشيد، وكذلك فرض الحصار المستمر ضد الحيَّين (الأشرفية والشيخ مقصود)، يؤكد مجددا أن الفصائل المسلّحة المدعومة من أنقرة لا تلتزم بقرارات السلطات الموقتة، بل تنفّذ أجندات خارجية تتعارض مع المصلحة الوطنية السورية".
وطالب جيا كرد "الوسطاء الدوليين والإقليميين بالضغط على أنقرة من أجل وقف تدخلاتها في الشأن السوري، وأن يضطلع هؤلاء الوسطاء بدور فاعل في تهدئة التصعيد، تمهيدا للتوصل إلى حلول توافقية ومستدامة بيننا وبين دمشق بعيدا عن أيّ تدخل خارجي (...) وعن الإملاءات والتجاذبات الإقليمية".
في السياق، كشف "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن تحركات للجيش السوري "تأتي ضمن خطة لإعادة الانتشار شمال شرق سوريا"، وسط مخاوف من إمكانية الهجوم على حيي "الشيخ مقصود" و"الأشرفية".
ووفقا للمرصد السوري، في حين تأتي تحركات الجيش السوري ردا على ما تسميه وزارة الدفاع السورية بـ "اعتداءات متكررة" من قبل قوات سوريا الديمقراطية، فإن "قسد" تعتبر وجودها حماية للأهالي في الحيين اللذان تقطنهما أغلبية كردية وضمان لعدم تكرار سيناريوهات العنف والفوضى في الساحل السوري والسويداء.
أجواء ايجابية
وبالعودة إلى اللقاءات المكثّفة التي شهدتها دمشق، الأربعاء، والتي تركزت على اجتماع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، مع وفد الإدارة الذاتية الكردية ووفد أمريكي رفيع ضمّ المبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك، وقائد القيادة المركزية الأمريكية الأدميرال براد كوبر، فقد كشفت مصادر متطابقة أن اللقاءات ناقشت سبل تنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس، الموقّع بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" وسط ضغوط أمريكية لتسريع تطبيق بنوده قبل نهاية العام الحالي.
ووفقا لمصادر متطابقة، فإن أبرز الملفات التي تناولها الاجتماع في دمشق، دمج "قسد" وقوى الأمن الداخلي، ومطالب التعديلات الدستورية واللامركزية وملفات مثل وقف إطلاق النار، وفك الحصار عن بعض أحياء حلب، وعودة أهالي عفرين، وغيرها.
وأشارت مصادر في "الإدارة الذاتية"، إلى تقارب في الرؤى بين دمشق و"الإدارة الذاتية" في ما يخصّ مسألة دمج قوات "قسد" بدعم أمريكي، مع التركيز على "الدور التركي السلبي" في هذه المسألة، وفقا لما نقلته صحيفة "النهار" اللبنانية.
خارطة طريق متعثرة
مصادر الصحيفة اللبنانية، أكدت أن الاجتماع الذي عُقد في دمشق لم يُسفر عن تحقيق أي تقدّم ملموس في الملفات العالقة بين الطرفين، ولم يُوقّع أيّ اتفاق رسمي، لكن الأجواء كانت "إيجابية وبناءة"، مشيرة إلى وجود رغبة متبادلة في استمرار الحوار ومناقشة القضايا الخلافية ضمن أطر سياسية وأمنية مفتوحة.
حول موضوع الدمج، أوضحت سنام محمد، ممثلة "مجلس سوريا الديمقراطية" في واشنطن، في تصريحات لـ صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، الأربعاء، أن هذه القضية "لا يمكن معالجتها بقرارات سريعة"، لافتة إلى أن "قوات سوريا الديمقراطية تضم وحدات نسائية ومكونات محلية متنوّعة تشكّل جزءا من هوية المنطقة".
وكشفت: "نحن نريد أن نكون جزءا من جيش وطني سوري، لكن على أساس ضمانات واضحة واحترام خصوصية مناطقنا".
وأشارت إلى أن غياب الضمانات الأمنية في مناطق مثل الشيخ مقصود والسويداء "لا يسمح بالحديث عن تسليم السلاح أو إعادة دمج الإدارات المحلية"، مشددة على أن دعوات البعض للتقسيم مرفوضة.
بدوره، القيادي الكردي صالح مسلم أوضح، الخميس، في حديث مع "المرصد السوري لحقوق الانسان"، أن "مسألة دمج قسد تحتاج لنقاش طويل وبرنامج تفصيلي وكثير من الوقت”.
جيمس جيفري، مبعوث الولايات المتحدة السابق إلى سوريا خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أشار إلى أن "خريطة الطريق التي توصلت إليها دمشق مع قوات سوريا الديمقراطية لم تُنفذ بعد، وواشنطن تشعر بإحباط متصاعد من تباطؤ الطرفين".
وكشف أن وقف الانسحاب العسكري الأمريكي مؤقتا "جاء نتيجة القلق من احتمال انهيار الاستقرار الهش في البلاد".
وأضاف جيفري، في مقالة نُشرت على موقع "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، أن زيارة باراك وكوبر "جاءت ضمن محاولة لكسر الجمود"، لكنها تعكس في الوقت نفسه "قلقا أمريكيا حقيقيا من فقدان الزخم الدبلوماسي في ملفٍ يُعدّ حيوياً للسلام الإقليمي".
وفي هذا السياق، أوضح جيمس جيفري، أن "دمج الشمال الشرقي في الدولة السورية هو مفتاح الاستقرار المستقبلي"، لكنه بيّن أن أي خطوة في هذا الاتجاه "تتطلب مبادرات بناء ثقة متبادلة"، مثل الاعتراف بسيادة الحكومة المركزية، مقابل التزام دمشق بـ "المعايير الدولية في التعامل مع الأقليات والمكوّنات المحلية".
وبخصوص التباطؤ في تنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس بوصفه الإطار السياسي الأهم لتنظيم العلاقة بين دمشق و"قسد"، أشارت محمد إلى أن اللجان المشتركة "لم تُحرز تقدم يُذكر"، موضحة أن ملفات مثل عودة المهجرين وتأمينهم في مناطقهم الأصلية "ما زالت معلّقة بسبب غياب الضمانات واستمرار الممارسات القسرية من مجموعات تابعة للأمن السوري".
وأكدت سنام محمد أن الحلّ "يجب أن يكون سياسيا قائما على نظام لا مركزي يتيح لكل المكونات السورية المشارَكة في القرار الوطني".
جيفري، شدد على أن وحدة سوريا "شرط أساسي لعودتها إلى المجتمع الدولي"، لكنه حذر من أن استمرار المماطلة في الإصلاحات السياسية والإدارية "سيُبقي البلاد منقسمة ومعرّضة للتدخلات الإقليمية"، لافتا إلى أن الشمال الشرقي "يبقى المنطقة الأعلى حساسية، لأنه يضمّ معظم ثروات سوريا النفطية والزراعية ونحو عُشر سكانها".
تسوية سورية حقيقية
أشار جيفري إلى أن "الطريق إلى تسوية سورية حقيقية تمر عبر دمج الشمال الشرقي، سلميا، وإثبات قدرة دمشق على الحكم الشامل والمسؤول"، موضحا أن فشل ذلك "لن يعني فقط تعثّر (اتفاق 10 آذار)، بل بداية مرحلة جديدة من الجمود السياسي تعيد البلاد إلى دائرة الانتظار".
ووسط نجاح الضغوط الأمريكية في منع اندلاع مواجهة عسكرية شاملة بين الطرفين، والتوترات وانعدام الثقة بين دمشق والإدارة الذاتية الكردية، والترقب التركي، يبقى السؤال: إلى أين تتجه العلاقة بين دمشق و"قسد"؟.


