هاشتاغ
بحث

أزمة عميقة في نهج السلطة.. العناد السياسي والمكابرة يقودان إلى تشظي البلاد

12/10/2025

أزمة-عميقة-في-نهج-السلطة..-العناد-السياسي-والمكابرة-يقودان-إلى-تشظي-البلاد

شارك المقال

A
A

هاشتاغ - خاص

 

 مرّ على سقوط نظام الأسد 10 أشهر، كانت كفيلة بإثارة آمال السوريين بولادة مرحلة جديدة وقيام دولة مدنية ديمقراطية طال انتظارها. في الداخل، برزت مؤشرات بدت واعدة في ظاهرها: حكومة انتقالية، إعلان دستوري مؤقت، وانتخابات برلمانية. وفي الخارج فتحت العواصم العربية والغربية أبوابها للقيادة الجديدة، حيث شارك رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة كأول رئيس سوري بعد ستة عقود من الغياب، وتدفقت المساعدات العربية، ورفعت العقوبات الغربية إيذاناً بانطلاقة سياسية مختلفة.


لكن خلف هذه الصورة الدبلوماسية المشرقة، تتخفى أزمة عميقة في نهج السلطة الانتقالية وطريقة إدارتها للملفات الوطنية الحساسة، أزمة عنوانها "العناد والمكابرة السياسية"، اللذان يهددان بإعادة البلاد إلى دوامة الانقسام والصراع، وربما نحو حربٍ جديدة أكثر تعقيداً من سابقاتها.

تتعاطى السلطة مع الأقليات على أنها “مكوّنات ثانوية” لا شركاء في الوطن الأمر الذي أدى إلى تعميق الفجوة بين السلطة والأقليات

سلطة جديدة.. بأسلوب قديم

منذ مؤتمر "النصر" الذي أتى بالشرع إلى الحكم، بدا أن السلطة الانتقالية تُعيد إنتاج النظام السابق بأدوات جديدة. فالقرارات والمراسيم والتعيينات لا تزال، بحسب مراقبين، تُبنى على اعتبارات أيديولوجية ودينية وتعتمد الولاء بدل الكفاءة، وعلى تحالفات فصائلية تكرّس الاستقطاب بدلاً من تجاوزه. الخطاب السياسي بات يعتمد على شعارات شعبوية تستمد شرعيتها من “الأكثرية الشعبية”، لا من مفهوم الشراكة الوطنية، ما يجعل من السلطة الجديدة نسخة محدثة من الاستبداد الذي عانى منه السوريون لعقود.

ويقول هؤلاء أنه بالرغم من محاولات السلطة تجميل دائرة صنع القرار سواء في الحكومة أم في المناصب العليا الأخرى، تظل هيمنة وسطوة مشايخ "هيئة تحرير الشام" على صنع القرار الحكومي ورسم المسار السياسي للبلاد فاقعة وأصعب من أن يتم تلطيفها بأسماء شكلية من الأقليات والمكونات السورية الأخرى. وهكذا تسير البلاد نحو "هيمنة جديدة" تُبررها السلطة بشعار “الاستقرار” وتُمارس سياساتها بمنطق الإقصاء.

تعتمد السلطة الحالية في دمشق، بحسب منتقديها، على فكرة “الاستقواء بالأكثرية الشعبية”، لا على مبدأ "المواطنة المتساوية". ويظهر ذلك في القرارات الحكومية، والإعلان الدستوري، والانتخابات. وحتى في إقرار المناسبات الوطنية والأعياد الرسمية، حذفت السلطة من الروزنامة الرسمية رموزاً تاريخية جامعة مثل “عيد الشهداء” و“ذكرى حرب تشرين”، في حين لم تعترف بعيد “النوروز” الكردي، ما يعكس رؤيتها الأحادية لهوية البلاد وتاريخها.

وبهذا المنطق، تتعاطى السلطة مع الأقليات على أنها “مكوّنات ثانوية” لا شركاء في الوطن الأمر الذي أدى إلى تعميق الفجوة بين السلطة والأقليات.

نهج التفرد بالسلطة والتحالفات الفصائلية التي تُدار بها البلاد لن تنتج استقراراً حقيقياً

تآكل الثقة الوطنية وتنامي الفجوات المجتمعية

نتيجة هذا النهج، تزداد الهوة بين الدولة ومواطنيها من الأقليات والمكونات. فالمناطق المختلفة باتت تتعامل مع السلطة المركزية بقدرٍ كبيرٍ من الريبة، وبدأت النزعات المناطقية والطائفية تتغذى من خطاب الإقصاء والمظلومية المتبادل.

وفق منطق التحليل السياسي، فإن نهج التفرد بالسلطة والتحالفات الفصائلية التي تُدار بها البلاد لن تنتج استقراراً حقيقياً، بل تُعيد إنتاج الانقسام الاجتماعي والسياسي في ثوبٍ جديد. وفي ظل غياب عقد وطني جامع، تتحول كل أزمة اقتصادية أو أمنية إلى صراع هوياتي، ويزداد اعتماد الأطراف على الداعمين الإقليميين، ما يقلّص من قدرة الدولة على استعادة قرارها المستقل.

من الساحل إلى السويداء ومن الشمال الكردي إلى أحياء حلب المختلطة ما تزال عقلية الغالب والمغلوب تحكم مقاربة السلطة الانتقالية للعلاقة مع المكونات السورية

المكابرة في التعامل مع المكوّنات السورية

من الساحل إلى السويداء، ومن الشمال الكردي إلى أحياء حلب المختلطة، ما تزال عقلية الغالب والمغلوب تحكم مقاربة السلطة الانتقالية للعلاقة مع المكونات السورية.

فالمكوّن العلوي لا يزال يُعامل داخل أجهزة الدولة كامتداد للنظام السابق، ما أدى إلى ملاحقته وارتكاب انتهاكات طائفية واسعة بحق أفراده وثقتها تقارير الأمم المتحدة واعترفت بها السلطة المركزية على مدى الأشهر الماضية.

وفي السياق ذاته يبرز ملف الدروز كمثال آخر على مكابرة السلطة في تعاطيها مع التنوع السوري، فقد واجهت مطالبهم المتعلقة بالإدارة المحلية ودمج أبنائهم في الجيش الوطني على شكل كتلة محلية تشرف على أمن محافظة السويداء، بالتجاهل والمكابرة، ما فجّر مواجهات دامية في تموز الماضي تخللتها انتهاكات طائفية واسعة بحق المكون الدرزي باعتراف الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.

وبالرغم من أن دمشق كانت لديها فرصة ذهبية على مدى سبعة أشهر للتفاهم مع القيادات الدرزية حول صيغة وطنية تضمن الشراكة وتوحيد الموقف، إلا أنها فضّلت منطق “من يحرّر يقرّر” الذي لايزال مهيمناً على سلوكها.

ويرى مراقبون للوضع أن عناد السلطة في التعاطي مع ملف الدروز أفسح المجال لتدخل إسرائيلي واسع في الجنوب السوري، حتى أصبحت السلطة المركزية عاجزة عن معالجة الأزمة بمعزل عن الموقف الإسرائيلي، الذي بات يملك الكلمة الفصل في هذا الملف.

أما في الشمال والشمال الشرقي، فالمكوّن الكردي لم يكن أوفر حظاً. فعلى الرغم من توقيع "اتفاق 10 آذار" التاريخي لدمج قوات سوريا الديمقراطية ومنح الأكراد حقوقهم الثقافية والسياسية، فإن الإعلان الدستوري اللاحق جاء مخيباً لأمال الأكراد الذين رأوا فيه تراجعاً عن هذه الالتزامات، ما أعاد التوتر إلى الميدان.

الأكراد الذين كان لهم دور بارز في إسقاط النظام ويديرون مناطقهم وفق إدارة ذاتية منذ عشرة أعوام، ينظرون إلى السلطة بريبة متزايدة جراء تنكرها لدورهم وخصوصاً بعد أعمال العنف التي طالت العلويين في الساحل والدورز في الجنوب.

فالحوادث الأخيرة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب كانت إنذاراً صريحاً لاحتمال انزلاق الأمور مجدداً إلى صدام واسع، في ظل ما يُنظر إليه كردياً على أنه تراجع عن وعود الشراكة والمواطنة. وكل الآمال المعلقة على الثقل التركي لفرض حلول تتنكر حقوق الأكراد، سوف تزيد من الشرخ في الجدار الوطني وتدفع البلاد نحو المزيد من التفكك والتشظي.

الاستقرار الظاهري الذي تعيشه السلطة المركزية سيبقى هشّاً طالما أنه يقوم على تهميش المكونات واستبدال القمع الأمني بالاستقواء العددي

الفرصة الأخيرة قبل الانقسام

اللقاءات الأخيرة في دمشق بين القيادة الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية برعاية أمريكية أعادت الأمل جزئياً بإمكانية التفاهم الوطني. لكن هذه الفرصة تبقى رمزية ما لم تُترجم إلى "تحول سياسي فعلي" يعترف بالشراكة، ويكفّ عن منطق الهيمنة.

وترى الأقليات أن انحياز السلطة المركزية إلى التفاوض مع المكونات السورية لحل المشكلات والتفاهم حول مستقبل الدولة وشكلها ليس تنازلاً، بل ضرورة وطنية تفرضها حقائق الجغرافيا والتاريخ، وأن أي محاولات لإخضاعها بالقوة ستفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الإقليمية والدولية، وتُدخل البلاد في مسار لا رجعة فيه من التشظي.

فالاستقرار الظاهري الذي تعيشه السلطة المركزية سيبقى هشّاً، طالما أنه يقوم على تهميش المكونات، واستبدال القمع الأمني بالاستقواء العددي، وتكريس الولاءات بدلاً من بناء دولة مؤسسات ومواطنة.

استمرار النهج الحالي القائم على العناد السياسي والاستقواء بالأكثرية سيقود إلى تفكك الدولة وفقدان قرارها الوطني لصالح القوى الإقليمية والدولية

مستقبل العناد والمكابرة السياسية

يعتقد الكثير من السوريين أن استمرار النهج الحالي القائم على "العناد السياسي والاستقواء بالأكثرية" سيقود إلى تفكك الدولة وفقدان قرارها الوطني لصالح القوى الإقليمية والدولية، تماماً كما يحدث في الجنوب حيث أصبحت الكلمة الفصل لإسرائيل، أو في الشمال حيث يتحكم النفوذ التركي بمسار التسويات.

وأما المسار البديل الذي يشكل طريقاً للخلاص الوطني، فيكمن في "عقد وطني جديد" يعترف بالتعدد ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة لا الولاء. فمن دون هذا التحول الجذري، ستبقى سوريا رهينة دوامة من التوترات والانقسامات التي ستمنعها من النهوض مجدداً، مهما بدت مظاهر الاستقرار الآني واعدة.

ختاماً، إنّ مستقبل سوريا لن يُبنى على منطق الغالب والمغلوب، بل على "شراكةٍ متكافئة" تضع الإنسان فوق الطائفة، والوطن فوق الفئة، والعقل فوق العناد.

التعليقات

الصنف

سياسة

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025