هاشتاغ
بحث

سوريا تتحرك لإعادة بناء علاقاتها مع روسيا والصين.. هل تنجح؟

19/10/2025

سوريا-روسيا-والصين

شارك المقال

A
A

هاشتاغ - خاص




تتحرك الدبلوماسية السورية الجديدة في هذه المرحلة بخطوات حثيثة لإظهار انفتاحها على العالم، وإعادة صياغة علاقاتها الدولية في محاولة لتجاوز مرحلة العزلة التي فرضتها سنوات الحرب الطويلة. وتسعى دمشق إلى فتح آفاق تعاون متوازن مع القوى الكبرى، وفي مقدمتها روسيا والصين، اللتين كانتا من أبرز الداعمين للنظام السابق. غير أن هذه المساعي تضع العلاقات الجديدة أمام اختبارات صعبة وتحديات معقدة.


تُعدّ روسيا والصين من أكثر الدول التي قدّمت دعماً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً للنظام السابق في الحرب ضد الفصائل المسلحة التي تسيطر اليوم على الحكم في دمشق. وهذا يجعل طريق إصلاح العلاقات معهما مليئاً بالعقبات. ومع ذلك، فإن المنطق السياسي يقول إنّه "لا عداء دائم في السياسة؛ بل مصالح دائمة".

روسيا.. من الشراكة إلى إعادة ترتيب العلاقات


جاءت زيارة رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع موسكو منتصف الشهر الجاري ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأكيداً لحرص القيادة السورية الجديدة على إعادة ترتيب علاقاتها مع روسيا في ضوء التاريخ الطويل بين البلدين والمصالح المشتركة، خصوصاً في قطاعي الجيش والطاقة اللذين يعتمدان اعتماداً كبيراً على الخبرات الروسية.


وفي الزيارة، أعلن الشرع أن القيادة السورية الجديدة تحترم الاتفاقيات السابقة الموقّعة مع موسكو في عهد النظام السابق، قائلاً، بحسب ما نقلته وكالة "سانا" الرسمية: "نحن نحترم كل ما مضى من اتفاقيات، ونسعى لإعادة تعريف طبيعة هذه العلاقات بما يضمن استقلال القرار السوري والسيادة الوطنية".


لكن وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، أوضح في مقابلة مع قناة "الإخبارية السورية" مساء أمس السبت أن التعامل مع روسيا يتم بـ"تدرّج"، مشيراً إلى أنه "لم تُوقّع أي اتفاقيات جديدة حتى الآن"، وأن الاتفاقيات السابقة "معلّقة"، مؤكداً أن الحكومة الجديدة "لا تقبل بها".


وأضاف الشيباني، الذي يُعد المنظّر السياسي للشرع، أن "العلاقة مع روسيا تستمد قوتها من مكانة سوريا، ويجب تسخيرها لمصلحة الشعب السوري"، مشدداً على أن الدبلوماسية السورية الجديدة تهدف إلى "تطوير علاقات استراتيجية دون أي تنازل عن الحقوق الوطنية".


من جهتها، تسعى موسكو إلى استمرار علاقاتها التاريخية مع دمشق، خصوصاً في ظل وجود قاعدتين عسكريتين حيويتين لها في الساحل السوري: قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية التي تُعد نقطة دعم لوجستي للأسطول الروسي في البحر المتوسط.


وقد أكد الرئيس بوتين عند لقائه الشرع أن العلاقات الروسية - السورية الممتدة على مدى ثمانين عاماً "لم تكن يوماً خاضعة لمصالح ضيقة أو حسابات ظرفية"، مشيراً إلى أن أكثر من أربعة آلاف طالب سوري يدرسون في الجامعات الروسية، ودورهم سيكون مهماً في إعادة بناء الدولة السورية.


في المقابل، تطمح دمشق إلى الحصول على دعم موسكو في مجال التسلّح ورفع العقوبات الأممية، إضافة إلى رفع اسم القيادة الجديدة من قوائم الإرهاب في مجلس الأمن. وعلى الرغم من الإرث الثقيل من الحقبة السابقة، تسعى الحكومة الانتقالية إلى بناء علاقة جديدة مع روسيا تقوم على "توازن المصالح" و"الشراكة الاستراتيجية"، بعيداً عن الارتباطات القديمة.

سوريا والصين.. تصحيح المسار وسط تحديات أمنية


العلاقات السورية - الصينية بدورها تمتد عقوداً، وقد شكّلت الصين في سنوات الحرب إحدى أبرز داعمي النظام السابق، مستخدمة حق النقض "الفيتو" مراراً إلى جانب روسيا في مجلس الأمن الدولي.


لكن القيادة السورية الجديدة تسعى اليوم إلى استقطاب بكين من منطلق مختلف، فهي ترى في الصين شريكاً اقتصادياً ضخماً قادراً على الإسهام في مشروعات إعادة الإعمار، التي تُقدّر تكلفتها بنحو 900 مليار دولار. كما تأمل دمشق بالحفاظ على موقف صيني داعم لها في مجلس الأمن، خصوصاً عند طرح مشروع قرار لرفع اسم القيادة السورية الجديدة من قوائم الإرهاب.


وفي هذا السياق، كشف وزير الخارجية الشيباني عن زيارة رسمية مرتقبة إلى بكين مطلع الشهر القادم (تشرين الثاني) تهدف إلى "إعادة تصحيح العلاقات" بين البلدين. وقال في مقابلة مع "الإخبارية السورية": "أعدنا تصحيح العلاقة مع الصين التي كانت تقف سياسياً إلى جانب النظام البائد وتستخدم الفيتو لصالحه، وفي بداية الشهر القادم ستكون هناك أول زيارة رسمية إلى بكين".


وعلى الرغم من هذه الرغبة في الانفتاح، تواجه العلاقات السورية – الصينية تحديات كبيرة، أبرزها المخاوف الأمنية الصينية من وجود مقاتلين إيغور في سوريا، وتولّي بعضهم مواقع قيادية في الجيش السوري الجديد. وتؤكد بكين دائماً دعمها سيادة سوريا ووحدة أراضيها، لكنها تشدد في الوقت نفسه على ضرورة مكافحة الإرهاب، ولا سيما ضد عناصر الحزب الإسلامي التركستاني الأيغوري.


السفارة الصينية في دمشق أصدرت بياناً في نيسان الماضي، أشارت فيه إلى أن الصين تدعو السلطات السورية المؤقتة إلى "الوفاء بالتزاماتها في مجال مكافحة الإرهاب، واتخاذ إجراءات حاسمة ضد المنظمات الإرهابية المدرجة على قائمة مجلس الأمن"، بما في ذلك حركة تركستان الشرقية الإسلامية. كما أكد البيان أن بكين طالما "انتهجت سياسة الصداقة والتعاون تجاه سوريا، واحترمت خيارات شعبها وتقاليدها الوطنية".


غير أن محللين يرون أن بكين تربط أي تعاون اقتصادي مستقبلي مع دمشق بتحقيق الاستقرار الداخلي ومكافحة المقاتلين الأجانب، وهذا يشكّل عقبة أمام تعزيز التعاون في الوقت الراهن ويفرض حالة من التردد عن الإقدام على خطوات كبيرة في هذا المجال. ويظهر هذا الجمود في محدودية الزيارات الرسمية بين الجانبين، التي تقتصر غالباً على لقاءات مع السفير الصيني في دمشق، آخرها في 29 حزيران الماضي.


كما برز الموقف الصيني الناقد للسلطة الانتقالية في اجتماعات مجلس الأمن؛ إذ عبّرت بكين عن قلقها من دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري، متهمة بعضهم بالمشاركة في مجازر الساحل والسويداء. ووفق تقارير إعلامية، فإن الصين تشترط ربط رفع العقوبات الأممية عن سوريا بموقف دمشق من هؤلاء المقاتلين، وهذا يُجبر الحكومة السورية على اتخاذ مواقف دقيقة توازن بين التزاماتها الداخلية وحاجتها إلى الدعم الخارجي.


وعلى الرغم من كل ذلك، تؤكد دمشق رغبتها في تطوير التعاون مع الصين، لكنّ علاقاتها لا تزال محكومة بقيود أمنية وسياسية تجعلها قائمة على "المصالح المشتركة" و"الخطوط الحمراء الصينية".


دبلوماسية متوازنة بعيداً عن المحاور


تدرك دمشق أن الانفتاح على العالم يتطلب موازنة دقيقة بين المصالح الوطنية ومصالح الحلفاء والأصدقاء المتناقضة. ويقول الوزير الشيباني إن التحركات الدبلوماسية السورية "هادئة ومخطط لها، ولا تتضمن أي تنازل عن حقوق السوريين"، مؤكداً أنها تقوم على الحوار والتعاون بعيداً عن سياسة المحاور.


أما رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، فأكد في مقابلة مع قناة "CBS" الأمريكية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أن سوريا "تسعى إلى بناء تحالفات متوازنة مع الغرب والولايات المتحدة، إلى جانب الدول الإقليمية، وتسير حالياً في علاقات مستقرة وهادئة مع روسيا والصين، قائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة".

التحديات المستمرة


وعلى الرغم من الخطوات الإيجابية التي اتخذتها دمشق لإعادة ترتيب علاقاتها مع العالم الخارجي، لا تزال هناك تحديات رئيسية في علاقاتها مع كلٍّ من روسيا والصين، تتطلب مزيداً من المرونة والبراغماتية. فبناء الثقة مع هاتين القوتين هو أساس الانطلاق نحو علاقات اقتصادية وسياسية جديدة تضمن مصالح دمشق من جهة، وتطمئن بكين وموسكو حيال مستقبل السياسة السورية ومدى جديتها في احترام مصالحهما، من جهة ثانية.


سوريا اليوم أمام اختبار الواقعية السياسية التي تتطلب منها النظر إلى المستقبل بعقل منفتح بعيداً عن أوهام الماضي وتركته الثقيلة، لصياغة علاقات تقوم على المصلحة الوطنية لبلد يتوق إلى السلام والاستقرار بعد عقد من الاقتتال والدمار.

التعليقات

الصنف

سياسة

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025