هاشتاغ - متابعة
يشهد الطريق الواصل بين العاصمة دمشق ومحافظة السويداء بالجنوب السوري، تدهوراً متزايداً في الأوضاع الأمنية بعد سلسلة من الحوادث التي شملت استهدافات مسلحة وعمليات اختفاء واعتقال، آخرها مقتل مدنيين وإصابة آخرين جراء استهداف حافلة نقل ركاب، في وقت تتباين فيه الروايات حول الجهة المسؤولة، ووسط تصاعد القلق الشعبي.
استهداف حافلة مدنية وسقوط ضحايا
وقُتل شخصان هما، كمال عبد الباقي، وآية سلام، وأصيب عدد من المدنيين صباح اليوم الثلاثاء 28 تشرين الأول/أكتوبر، إثر تعرض حافلة نقل ركاب لهجوم مسلح على الطريق الدولي بين محافظتي دمشق والسويداء، وفق ما نقلته مواقع إعلامية محلية.
وذكرت مصادر محلية أن الحافلة كانت في طريق عودتها من العاصمة باتجاه المحافظة، حين تعرضت لإطلاق نار في منطقة تخضع لسيطرة "جهات أمنية حكومية"، في حين، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الاعتداء حتى لحظة إعداد التقرير.
ورجحت المصادر مقتل شخص ثالث كان على متن الحافلة، وهو، جودت عبد الباقي، ليصبح العدد الكلي 3 قتلى في حصيلة أولية، بحسب ما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي للصفحات الإخبارية المحلية.
تصريح "قيادة الأمن الداخلي"
ومن جانبه، صرّح قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء، حسام الطحان، لقناة "الإخبارية السورية" قائلاً: "تعرضت حافلة نقل ركاب مدنية على طريق السويداء – دمشق لاعتداء إرهابي جبان استهدف حياة الأبرياء، ما أسفر عن استشهاد شخصين من المدنيين، في محاولة بائسة لزعزعة الأمن وترهيب المواطنين الذين يسعون للاستقرار".
وأضاف: "أن هذه الجريمة تأتي بعد يومين فقط من استهداف ممنهج طال المدنيين ودوريات الأمن في ريف المدينة من قِبَل عصابات خارجة عن القانون، لا تسعى إلا إلى الفوضى والخراب في السويداء وأهلها"، مؤكداً أن "تكرار هذه الاعتداءات يدل على أن المخطط واحد، والهدف هو ضرب الاستقرار وترويع السكان"، على حد تعبيره.
وختم قوله مؤكداً: "إن القوى الأمنية ستواصل عملها لضبط الأمن وملاحقة الفاعلين بكل حزم".
تعازٍ رسمية ودعوات لمحاسبة الجناة
بدوره، عبّر محافظ السويداء، مصطفى البكور، عن تضامنه مع أسر الضحايا والمصابين، في بيان رسمي، قائلاً: "نتقدّم بأحرّ التعازي والمواساة إلى آل عبد الباقي وآل سلام الكرام، وإلى أهالي المصابين في محافظة السويداء، إثر الجريمة المؤلمة التي استهدفت حافلة نقل الركاب على طريق دمشق – السويداء، من قبل مجهولين لا يعرفون للرحمة سبيلًا".
مؤكداً: "أن هذا الاعتداء الغادر الذي طال أرواحًا بريئة لا يمسّ أبناء السويداء فحسب، بل يمسّ ضمير كل سوري حرّ"
واستنكر البكور الحادثة ووصفها "بأنها فعل جبان"، داعياً إلى كشف الجناة ومحاسبتهم، وإلى حماية الطرقات والأرواح من عبث العابثين.
وتأتي الحادثة بعد أيام قليلة من سلسلة تصريحات لمسؤولي الحكومة الانتقالية والمشرفين على ملف السويداء، حول أمن الطريق وإتاحته أمام الراغبين بالتنقل عبره، لا سيما الطحان، البكور، ومدير مديرية الأمن الداخلي سليمان عبد الباقي، مؤكدين "أن كل ما يُشاع على مواقع التواصل من تهديدات وغيرها هو محض افتراء وأن الدولة كفيلة بحماية جميع أبنائها".
اختفاء واعتقالات سابقة تزيد من القلق
قبل أيام من الحادثة، فُقد الاتصال في 11 تشرين الأول بمواطنين اثنين من أبناء السويداء هما، زياد سلام، وعبد القنطار، أثناء عودتهما من لبنان، في ظروف غامضة آنذاك.
وبحسب مصادر محلية، كان آخر تواصل معهما بعد اجتيازهما حاجز قصر المؤتمرات قرب دمشق، قبل أن ينقطع الاتصال بهما تماماً.
وجاءت الحادثة في ظل تكرار حوادث مشابهة على الطريق ذاته، شملت اعتقالات وخطف مدنيين، بعضها نُسب إلى جهات أمنية، وأخرى إلى مجموعات مسلحة تنشط في محيط العاصمة، في حين، لم تتضح ظروف اعتقالهما أو معرفة حيثيات الحادثة.
وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر، أُفرج عن المواطن، غسان شقير، ونجله رامي من بلدة القريّا، بعد ثلاثة أسابيع من توقيفهما عند حاجز المتونة، بتهمة نقل بضائع غير مصرح بها. ولم توضح الجهات الرسمية حينها تفاصيل القضية أو أسباب الإفراج أيضاً.
حوادث متكررة قبل تموز
سبق الهجوم الأخير حادثة مشابهة ما قبل تموز الأسود، حين تعرضت حافلة مدنية لإطلاق نار على طريق دمشق- السويداء عينه، ما أدى إلى مقتل امرأة وإصابة عدد من الركاب.
ورغم مرور الحادثة دون إعلان رسمي مفصل، إلا أنها أثارت آنذاك مخاوف من تدهور أمني متسارع على الطريق الرابط بين العاصمة والمحافظة تحديداً.
أحداث تموز الدامية
وفي تموز/يوليو الماضي، شهدت محافظة السويداء واحدة من أكثر المراحل توتراً في الجنوب السوري، إثر مواجهات مسلحة بين فصائل محلية وقوات تابعة للحكومة السورية، مدعومة بمجموعات عشائرية مسلحة رديفة لها.
وأسفرت الاشتباكات عن مئات القتلى ومجازر بحق المدنيين واقتحام قرى ونزوح مئات السكان، ما ترك آثاراً أمنية واجتماعية لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم.
الشرارة الأولى: اختطاف سائق شاحنة
ويعود بداية التصعيد الحالي إلى حادثة اختطاف سائق شاحنة في 10 تموز الماضي على الطريق ذاته، والتي كانت الشرارة التي أشعلت سلسلة من عمليات الخطف والاعتداءات المتبادلة بين مجموعات محلية وجهات أمنية، لتتطور لاحقاً إلى استقدام تعزيزات عسكرية لقوات الحكومة الانتقالية بدمشق وما نتج عنها من صدامات مسلحة مع الفصائل الدرزية في السويداء، بالإضافة إلى موجة من الاضطرابات الأمنية التي ما تزال تتكرر على نحو متقطع حتى تاريخه.
وتُظهر التطورات الأخيرة على طريق دمشق – السويداء أن المنطقة تواجه مرحلة حساسة من الانفلات الأمني، تتقاطع فيها روايات الجهات الرسمية والمصادر المحلية عند نقطة واحدة: "أن الطريق لم يعد آمناً كما كان"، وبينما تؤكد السلطات أن ما يجري "اعتداءات إرهابية تستهدف الاستقرار"، يرى الأهالي أن تعدد الجهات المسلحة وتداخل الأحداث الأمنية جعلا الطريق عرضةً للفوضى، فإذ يبقى الأمل معلقاً على استعادة الثقة بالطريق الذي يشكّل شريان الحياة بين الجنوب والعاصمة، حتى لا يتحول إلى رمزٍ جديد لتفكك الأمن في البلاد واستغلال الحدث من قبل جهات خارجية.


