هاشتاغ - ترجمة
تعد عملية "الضمير" بريف دمشق التي أسفرت عن اعتقال أحمد عبد الله المسعود البدري، أحد كبار قادة "داعش"، الحالة الخامسة للتنسيق بين قوات التحالف الدولي والحكومة السورية لمواجهة التنظيم، وسط دعوات غربية لدمشق للانضمام رسمياً إلى الجهود المبذولة لمعالجة "أخطر تهديد أمني دولي منذ عام 2014".
ووفقاً لمقال نشره "معهد الشرق الأوسط"، بالرغم من أنها تواجه بالفعل عدداً من القضايا الأمنية المعقدة الأخرى، فقد توصلت الحكومة السورية إلى استنتاج - بل قناعة - بأن الانضمام إلى التحالف هو أفضل طريقة لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية والاقتصادية المرجوة.
ربط بعض السياسيين في واشنطن رفع العقوبات عن سوريا بانضمامها إلى التحالف الدولي، بينما ترى الحكومة السورية أن انضمامها مشروط بتخفيف العقوبات.
يثير هذا الاختلاف في وجهات النظر بين الطرفين تساؤلاً حول من سيتخذ الخطوة الجادة الأولى لإنهاء الجمود المستمر، وما هي المخاطر التي قد يشكلها غياب مثل هذه الخطوة على الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار في سوريا وكذلك على الأمن الإقليمي والعالمي على نطاق أوسع، في حال انهيار المفاوضات.
يعتقد العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين أن انضمام سوريا رسمياً إلى التحالف لن يكون ممكناً قبل حل وضع قوات سوريا الديمقراطية
الخلفية التاريخية
منذ تأسيسه في سبتمبر/أيلول 2014، فرض التحالف الدولي ضد "داعش" بقيادة الولايات المتحدة واقعاً عسكرياً خارج سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد. كذلك اعتمد استراتيجية مزدوجة: شنّ غارات جوية دقيقة، وتمكين شريك محلي متمثل في قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، تركت دمشق خارج إطار صنع القرار.
طوال تلك الفترة، اتسمت العلاقة بين النظام السوري السابق والتحالف بالعداء العلني والبراغماتية الضمنية. بينما نددت دمشق علناً بالتحالف باعتباره "اعتداءً على السيادة"، استفادت في الواقع من إضعاف خصم مشترك، مما سمح لها بتركيز جهودها ضد فصائل المعارضة الأخرى.
خلقت هذه الديناميكية حالة من "التعايش العدائي"، حيث تم تفعيل قنوات غير رسمية لتجنب المواجهة المباشرة على الرغم من استمرار العداء السياسي والإعلامي.
مع سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 وظهور الحكومة الانتقالية، تغير المشهد بشكل كبير. لم يعد يُنظر إلى التحالف على أنه قوة تدخل أجنبية بل كشريك محتمل في إعادة بناء مؤسسات الدولة ومكافحة الإرهاب في إطار أوسع وأكثر شمولاً.
في هذاالدوافع السورية
السياق، برز دور "هيئة تحرير الشام" كرمز للتحول المستمر - ليس فقط كقوة مهيمنة في الشمال ولكن أيضاً كجسر بين عصرين.
هناك حاجة ملحة لدمشق لإعادة هيكلة جيشها وإزالة العناصر الأجنبية من المناصب الحساسة
الدوافع السورية
في النصف الثاني من أيلول/سبتمبر، اجتمع عدد من كبار المسؤولين من وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين في العاصمة دمشق. ووفقًا لمصدر أمني سوري، استمر الاجتماع عدة ساعات، وركز على مسألة انضمام سوريا إلى التحالف الدولي، والمكاسب المحتملة التي سيحققها، والعقبات التي قد تنشأ عنه، محلياً وخارجياً، بحسب المقال.
اتفق الحاضرون على ضرورة تسريع عملية الانضمام إلى التحالف، واتخاذ خطوات ملموسة نحو المشاركة الفعالة، بدلاً من التنسيق السلبي الذي يُقصي القوات السورية من المشاركة في العمليات التي يقودها التحالف ضد قادة وخلايا "داعش".
وأكد المسؤولون أن الحكومة السورية تمتلك بالفعل خبرة واسعة في مواجهة "داعش"، لا سيما في محافظة إدلب خلال السنوات الأخيرة.
ناقش الاجتماع أيضاً فكرة إنشاء سجن شديد الحراسة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية لاحتجاز كبار قادة وعناصر "داعش"، على أن يُدار بشكل مشترك مع التحالف خلال مرحلة انتقالية أولية.
ووفقا للمقال، ترى دمشق أن الانضمام إلى التحالف الدولي مفيد على عدة مستويات:
· سياسياً، ستكتسب شرعية دولية كشريك في الحرب الإقليمية على الإرهاب، مما يُحسّن تصنيفها ويُزيل الحكومة السورية من قوائم الإرهاب.
· عسكرياً، ستحصل على دعم فني وعملياتي من الولايات المتحدة ودول التحالف للمشاركة الفعالة في العمليات العسكرية المشتركة.
· استراتيجياً، سيُقوّض هذا الوضع الحصري لقوات سوريا الديمقراطية كشريك رسمي للتحالف في سوريا، مما يُضعف نفوذها في المفاوضات مع الحكومة السورية.
· فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية، ستحصل سوريا على إمكانية الوصول إلى أنظمة تبادل المعلومات التابعة للتحالف، وخاصة للتحقق من هوية المجندين الجدد في وزارتي الدفاع والداخلية لمنع تسلل عناصر "داعش" إلى أجهزة الدولة السورية.
ووفقاً لما أورده المقال، نقلاً عن مصدر رفيع المستوى في الأمن العام، شمل أحدث تنسيق مع قيادة التحالف اتفاقيات عملياتية متعددة، أبرزها:
· تبادل المعلومات الاستخباراتية بين وحدة الاستطلاع التابعة لوزارة الداخلية وغرف عمليات التحالف.
· تقليص الغارات الجوية، وإسناد العمليات الميدانية إلى قوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية.
· التعاون في مخيم الهول، بهدف إعادة دمج العائلات السورية في مجتمعاتها الأصلية.
· إنشاء قنوات اتصال عسكرية بين وزارة الدفاع السورية والقوات في التنف - المندمجة الآن في الجيش السوري الجديد - مع الحفاظ على التنسيق المباشر مع وزارة الدفاع الأمريكية من خلال خلية اتصال ميدانية في البادية السورية.
مخاوف حول قدرة الحكومة السورية على ضمان عدم تسرب المعلومات الاستخباراتية المشتركة إلى الفصائل المتطرفة
العقبات الأساسية
ووفقاً للمقال الذي نشره "معهد الشرق الأوسط"، تُدرك دمشق جيداً وجود عقبات داخلية تُشكل تحديات كبيرة أمام الانضمام إلى التحالف. من أهم هذه العقبات أن وزارة الدفاع لا تزال في مرحلة تكوينية من تطورها المؤسسي. لا تزال عملية التجنيد في الجيش تعاني من محدودية القدرة على إجراء تحريات سليمة عن خلفيات المنضمين الجدد، ومن ضعف عام في القدرات العسكرية.
هذه التحديات الهيكلية تجعل من الصعب على التحالف الثقة الكاملة بقدرة وزارة الدفاع على تنفيذ عمليات مشتركة.
وبحسب المقال، يتجلى هذا الواقع على أرض الواقع، حيث يتم التنسيق حالياً بشكل أساسي بين التحالف ووزارة الداخلية، وليس وزارة الدفاع.
ومن العقبات الرئيسية الأخرى عدم وجود اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية. فلا يزال من الصعب تنفيذ عمليات منفصلة والتنسيق متعدد المستويات مع قوات مختلفة تشهد توترات وتعمل ضمن مناطق جغرافية متداخلة.
ولا يزال المعنيون بالشأن السوري في واشنطن حذرين أيضاً. يعتقد العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين أن انضمام سوريا رسمياً إلى التحالف لن يكون ممكناً قبل حل وضع قوات سوريا الديمقراطية ودمجها بالكامل في مؤسسات الدولة السورية الجديدة.
بهذا الصدد، صرّح قائد "قسد"، مظلوم عبدي، مؤخراً أن دمشق "تسعى للاستفادة من خبرة قوات سوريا الديمقراطية" وأن مشاركة سوريا في القتال ضد داعش قد تحدث "قريباً".
كما أشار إلى أن واشنطن "اقترحت تشكيل قوة مشتركة"، وهو اقتراح قبلته قوات سوريا الديمقراطية في محاولة لجعل القتال ضد داعش "وطنيًا وشاملاً".
ووفقاً لمعلومات من مصدر غربي، فإن النقاش لا يقتصر على أروقة واشنطن. فهناك أيضاً مناقشات جارية حول قدرة الحكومة السورية على ضمان عدم تسرب المعلومات الاستخباراتية المشتركة بين دمشق والتحالف إلى الفصائل المتطرفة داخل الجيش السوري أو مؤسسات الأمن العام - لا سيما في ظل استمرار وجود مقاتلين أجانب في صفوف الحكومة والجيش السوري.
ويرى المراقبون الغربيون حاجة ملحة لدمشق لإعادة هيكلة جيشها وإزالة العناصر الأجنبية من المناصب الحساسة التي قد تعرض التعاون مع التحالف للخطر.
ولفت المقال إلى أنه "لا يزال هناك مسؤولون كبار في إدارة ترامب وأعضاء آخرون في التحالف يساورهم القلق بشأن الحكومة الجديدة في دمشق، ويخشون من أنها لم تتخلص تماماً من ماضيها المتطرف العنيف".
يُشكل الهيكل الحالي للتعاون من خلال وزارة الداخلية بدلاً من وزارة الدفاع عقبة مؤقتة أمام انضمام سوريا رسمياً إلى إطار التحالف، الذي يعتمد عادة على التنسيق العسكري المباشر.
هذا التداخل بين الاعتبارات الأمنية والبيروقراطية يجعل المسار السياسي لسوريا للانضمام إلى التحالف مشروطاً بإعادة تنظيم العلاقة بين وزارتيها، واستعداد واشنطن لفتح قنوات مؤسسية أوسع، بحسب المقال.
"داعش" يتحول نحو استراتيجية "الخمول المرن" - استراتيجية تركز على الثبات والتشويش
الواقع على الأرض.. استراتيجية داعش الجديدة
خلال عام 2025، اتضح أن "داعش" قد تطور من مجرد بقايا خلايا نائمة إلى شبكة صغيرة ومرنة تسعى إلى استغلال الفوضى الأمنية التي أعقبت سقوط نظام الأسد لإعادة ترسيخ وجودها في شرق سوريا.
تشير مصادر ميدانية في دير الزور والبادية السورية إلى زيادة ملحوظة في نشاط "داعش" بين حزيران/يونيو تشرين الأول/وأكتوبر، وخاصة حول البصيرة وجبل البشري والسخنة، حيث نفذت وحداته كمائن ليلية وزرعت عبوات ناسفة بدائية استهدفت دوريات تابعة لكل من قوات سوريا الديمقراطية والقوات الحكومية.
تقدر مصادر أمنية محلية عدد مقاتلي داعش النشطين بما يتراوح بين 2500 و3000، يعملون في مجموعات لا تزيد عن 10 أفراد ويعتمدون على السرعة والحركة المتكررة للتهرب من المراقبة الجوية.
في المقابل، شهدت الفترة الأخيرة زيادة ملحوظة في العمليات المشتركة التي نفذها التحالف والحكومة السورية.
في هذا السياق، صرّح مسؤول حكومي سوري، بأن "التنسيق مع التحالف أثبت فعاليته في احتواء نشاط التنظيم، إلا أنه لا يزال محدود النطاق العملياتي"، وفقاً لما أورده "معهد الشرق الأوسط".
في غضون ذلك، تشير التقارير إلى إعادة تنظيم "داعش" لخلاياه النائمة في مخيم الهول ومحيط تدمر، مع التركيز على جهود التجنيد عبر السجون ومخيمات النازحين، وتمويل عملياته عبر السوق السوداء.
ووفقاً لمراقبين ميدانيين، تعكس هذه التطورات تحولاً نحو استراتيجية "الخمول المرن" - استراتيجية تركز على الثبات والتشويش بدلاً من السيطرة على الأراضي.
ويمثل هذا اختباراً مبكراً للدولة السورية الجديدة وشراكتها مع التحالف المناهض لداعش في إدارة أخطر تحدٍّ أمني تواجهه البلاد بعد الحرب.
تواجه سوريا اختباراً جديداً: إما أن تُرسّخ مكانتها أو تترك الفراغ للآخرين لملئه
السيناريوهات المحتملة
تفتح الديناميكيات المتطورة للتعاون في مكافحة الإرهاب بين سوريا والتحالف آفاقاً واعدة للفترة المقبلة. يحمل كل سيناريو تداعيات سياسية وأمنية واستراتيجية مميزة، سواءً على استقرار سوريا أو على الجهود الإقليمية الأوسع للقضاء على داعش.
1. انضمام سوريا - السيناريو الأكثر ترجيحاً
يبدو انضمام سوريا رسمياً إلى التحالف هو النتيجة الأكثر ترجيحاً، نظراً لتزايد عدد العمليات المشتركة بين الجانبين - خمس عمليات في الأشهر الثلاثة الماضية - بالإضافة إلى رغبة دولية وسورية مشتركة في مأسسة التعاون.
يسعى التحالف إلى توسيع نطاق عملياته على الأراضي السورية من خلال شراكة رسمية مع الحكومة لتسريع القضاء على "داعش"، بينما تسعى الحكومة السورية إلى دعم سياسي ولوجستي لمواجهة التنظيم وإرساء الاستقرار لتسهيل إعادة الإعمار وترسيخ السيادة الوطنية.
وينبغي النظر إلى الضغط الأمريكي المستمر لحل الخلاف بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية في هذا السياق: فالتوصل إلى اتفاق بينهما شرط أساسي لتسريع انضمام سوريا إلى التحالف.
إذا حدث ذلك، فسيساعد على ترسيخ جبهة موحدة لمكافحة الإرهاب، وزيادة فعالية العمليات ضد "داعش"، وتعزيز شرعية الحكومة السورية الجديدة من خلال التعاون الدولي الرسمي، وتحسين تبادل المعلومات الاستخبارية والتنسيق العملياتي، والحد من التكرار والفجوات، وإرساء أسس لدعم أوسع للاستقرار وإعادة الإعمار بعد الصراع.
مع ذلك، لن يكون هذا المسار سهلاً، إذ قد تكون هناك حساسيات سياسية داخل سوريا تتعلق بالسيادة والتدخل الأجنبي، بالإضافة إلى مقاومة من عناصر داخلية تعارض التعاون مع القوى الغربية.
وقد يتعين على كل من دمشق والائتلاف اتخاذ خطوات لتمهيد الطريق وتبديد مخاوف كل جانب.
2. استمرار التنسيق دون انضمام رسمي
إذا بقي التوصل إلى اتفاق شامل بعيد المنال، فقد يستمر التعاون بشكل غير رسمي. قد يكون هذا التنسيق المستمر بمثابة اختبار لجدية الطرفين، ولكنه ينطوي على مخاطر إذا طال أمده - لا سيما التأخير في العمليات بسبب التنسيق الحذر، ومحدودية آليات تبادل المعلومات، واحتمالية حدوث سوء فهم قد يؤدي إلى تآكل الثقة.
قد يُحافظ هذا النهج على مرونة التنسيق دون تحمل التكاليف السياسية للانضمام الرسمي، ويسمح باستمرار الجهود المشتركة المحدودة ضد "داعش"، مما يُحافظ على بعض الزخم العملياتي. كما قد يُؤدي إلى فوائد سياسية وأخرى تتعلق بإعادة الإعمار محدودة لسوريا
مع ذلك، ينطوي هذا السيناريو أيضاً على تداعيات سلبية محتملة على الجهود الدولية ضد "داعش"، مثل عدم الكفاءة وبطء الاستجابة بسبب الترتيبات غير الرسمية، وغياب المساءلة الواضحة والالتزامات المُلزمة، وزيادة خطر الاحتكاك العملياتي.
3. انهيار التنسيق
سيؤدي انهيار التنسيق بشكل كامل إلى إعادة الأمور إلى نقطة البداية. ستجد الحكومة السورية نفسها عاجزة عن تنفيذ عمليات واسعة النطاق ضد "داعش"، حيث لا تزال العديد من المناطق التي ينشط فيها التحالف وشريكه السوري، قوات سوريا الديمقراطية، خارج سيطرة الحكومة.
في الوقت نفسه، سيظل التحالف عاجزاً عن تحقيق نصر حاسم ضد "داعش"، نظرًا للانقسامات الداخلية في سوريا وتشتت السيطرة الإقليمية - وهي ظروف من شأنها أن تُنشئ ثغرات أمنية يمكن للتنظيم استغلالها لإعادة ترسيخ وجوده وقوته على الأراضي السورية.
وفي حال حدوث ذلك، قد يستغل "داعش" هذه الثغرات لإعادة تنظيم صفوفه وإحياء قوته وتقويتها. سيؤدي هذا السيناريو إلى زعزعة استقرار سوريا، ويُصعّب جذب الاستثمارات الدولية ومساعدات إعادة الإعمار.
4. العمل الأحادي
قد يتحقق هذا السيناريو إذا انهارت جهود التنسيق ومحادثات الانضمام تماماً. وفي حال حدوث ذلك، سيعود الوضع إلى ما كان عليه سابقاً في إدلب، حيث نفذت "هيئة تحرير الشام" عمليات أحادية الجانب ضد خلايا "داعش"، بينما نفذ التحالف عمليات منفصلة شرق الفرات.
ضمان انضمام دمشق إلى التحالف
ستثبت هذه الجهود المجزأة عدم فعاليتها إلى حد كبير، نظراً لغياب تبادل المعلومات الاستخباراتية ومحدودية حرية العمل في مناطق واسعة - وهي ظروف أظهر "داعش" مراراً وتكراراً قدرته على استغلالها، والتكيف بسرعة مع بيئات تتسم بالفوضى والتشرذم.
ضمان انضمام دمشق إلى التحالف
يتطلب تحقيق السيناريو الأول المذكور أعلاه - انضمام سوريا إلى التحالف - جهداً سياسياً مدروساً ومنسقاً لتحويل التعاون العملياتي القائم إلى شراكة مؤسسية.
ويعتمد النجاح على المرونة المتبادلة: يجب على الجهات الفاعلة الغربية مراعاة مخاوف سوريا المتعلقة بالسيادة، بينما يجب على الحكومة السورية الجديدة إظهار التزام موثوق بالحوكمة الشاملة والتنسيق القائم على القواعد. إن عدم قيام أي من الجانبين بذلك يُهدد بالركود في السيناريو الثاني أو التراجع نحو السيناريوهين الثالث والرابع، مع ما يترتب على ذلك من آثار وخيمة على الاستقرار الوطني والإقليمي.
ولتحقيق أفضل النتائج، ستحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على تواصل دبلوماسي مستمر لسد الفجوة بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، وتوضيح استعدادها لإضفاء الطابع الرسمي على أطر التعاون التي تحترم السيادة السورية، وتقديم الدعم الفني واللوجستي للعمليات المتكاملة.
ومن جانبها، ستحتاج دمشق إلى إظهار التزامها بالحوكمة الشاملة والمصالحة مع القوات الكردية وغيرها من القوى المحلية، وإجراء إصلاحات مؤسسية تضمن الشفافية والتنسيق مع الشركاء الدوليين، والحفاظ على الانضباط العملياتي لتجنب الحوادث التي تقوض الثقة.
في خضمّ شد وجذب الحذر والضرورة، تتبلور الشراكة بين دمشق والتحالف حتى مع بقاء ذكرى العداء الماضي.
ويختتم المقال بالتساؤل: إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه الشراكة في التغلب على إرث انعدام الثقة؟ هل يمكن للطرفين تحويل تنسيقهما التكتيكي إلى شراكة استراتيجية مستقرة؟ في لحظة يتغير فيها ميزان القوى الإقليمي، تواجه سوريا اختباراً جديداً: إما أن تُرسّخ مكانتها في إطار أمني دولي ناشئ أو تترك الفراغ للآخرين لملئه.


