ملخص مقال للجنرال ديفيد بترايوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في صحيفة "ذا ناشونال انترست" الأمريكية
قبل أسابيع في نيويورك، جلست أمام أحمد الشرع، الرجل الذي اعتقلته قواتنا في العراق عام 2006 بتهمة انتمائه لتنظيم القاعدة، وهو اليوم رئيس سوريا. رحلته من سجينٍ متطرف إلى قائد دولة ممزقة تُعد من أكثر التحولات ندرة في الشرق الأوسط.
اعتُقل الشرع أثناء زرع متفجرات قرب الموصل، وكان قائد خلية تابعة للقاعدة في العراق، المنظمة المسؤولة عن أعنف الهجمات ضد قواتنا. أمضى خمس سنوات في الاحتجاز الأمريكي، خلال فترة قيادتي لعملية “زيادة القوات” التي هزمت التنظيم. لم أكن أعرفه شخصياً آنذاك، لكني كنت أعرف نوعه: مؤمن أيديولوجي خطير. لذا كانت مقابلتي له اليوم مشحونة بالذاكرة، وأنا أفكر في ضحايا عملياته السابقة.
بعد إطلاق سراحه عام 2011، عاد الشرع إلى سوريا وانضم إلى جبهة النصرة ضد نظام بشار الأسد، قبل أن ينشق عنها عام 2016 ويؤسس "هيئة تحرير الشام" التي أصبحت القوة المهيمنة في إدلب. تحت قيادته، أنشأت الهيئة هياكل حكم بدائية ذات طابع إسلامي صارم.
في أواخر 2024، قادت قوات الشرع حملة عسكرية أطاحت بنظام الأسد بعد السيطرة على حلب وحمص وحماة، وانتهى الأمر بفرار الأسد وزوجته إلى روسيا. وفي كانون الثاني 2025، أدى الشرع اليمين الدستورية رئيساً لسوريا. رفعت واشنطن العقوبات والمكافأة التي كانت مخصصة لاعتقاله، والتقاه الرئيس ترامب في الرياض وأشاد به علناً.
حين التقيت به في قمة كونكورديا، بدا مختلفاً تماماً عن ماضيه: هادئاً، عميق التفكير، متحدثاً عن إعادة بناء سوريا على أسس وطنية. قال لي: “لا يمكننا الحكم على الماضي بقواعد اليوم، ولا على اليوم بقواعد الماضي”.
كان خطابه وطنياً وبراغماتياً، لا جهادياً. فهو يسعى إلى توحيد سوريا، تمثيل جميع مكوناتها، ضمان حقوق الأقليات، وإعادة بناء الاقتصاد المنهار. كما فتح قنوات تواصل مع إسرائيل وطالب بإلغاء "عقوبات قانون قيصر" المفروضة على النظام السابق.
ومع ذلك، تبقى تساؤلات حول صدق تحوله، خاصة مع تقارير عن إعدامات نفذتها قواته بحق الدروز والعلويين. فالتوبة السياسية في عالم الصراعات نادرة وهشة. لكن نجاحه، إن تحقق، يصب في مصلحة سوريا وجوارها والعالم.
لقائي مع الشرع لم يكن مجرد تجربة شخصية، بل تذكيراً بأن التاريخ لا يسير بخط مستقيم، وأن أكثر الشخصيات غير المتوقعة قد تصبح الأكثر تأثيراً. فلنأمل أن تكون هذه القصة النادرة بداية لصفحة جديدة في تاريخ سوريا، لا مجرد فصل آخر في دوامة الشرق الأوسط.


