هاشتاغ - ترجمة
تتطلع سوريا إلى إيجاد سبل جديدة للتعاون لإنعاش اقتصادها الذي يعاني من أزمة منذ أكثر من عقد. وفي هذا المسعى، برزت أذربيجان كشريك واعد ومهم، لا سيما في قطاعي الطاقة والمعادن الثمينة.
بعد فترة طويلة من الركود في العلاقات السورية الأذربيجانية، كان التطور الأبرز هو اتفاقية توريد الغاز الطبيعي الأذربيجاني إلى سوريا عبر الأراضي التركية، كجزء من خطة باكو الأوسع لتوسيع صادراتها من الطاقة عبر الشرق الأوسط.
وبعد توقيع مذكرة تفاهم لتزويد سوريا بالغاز الطبيعي، عادت النقاشات حول مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، مرحلة تعيد العلاقات المقطوعة منذ زمن طويل وتفتح الطريق لتعاون اقتصادي وسياسي واسع النطاق.
تعكس هذه الشراكة استراتيجية سورية جديدة لتنويع علاقاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على أي شريك منفرد. كما أنها جزء من خطة حكومية أوسع نطاقاً لإنعاش قطاع الذهب والمعادن النفيسة، الذي يُعتبر مصدراً رئيسياً لتوليد العملة الصعبة وتعويض الخسائر في الصناعات التقليدية.
التعاون مع أذربيجان يوفر فرصة نادرة لسوريا لإعادة دمج نفسها في شبكة التجارة الإقليمية
"فرصة نادرة"
في هذا السياق، قال الدكتور إبراهيم قوشجي، الخبير المصرفي والاقتصادي، لـ موقع "ميديا لاين" الأمريكي: إن التعاون مع أذربيجان يوفر فرصة نادرة لسوريا لإعادة دمج نفسها في شبكة التجارة الإقليمية، وخاصة في القطاعات التي تُعتبر من أهم محركات النمو، مثل الطاقة والمجوهرات الذهبية.
وأضاف: "إذا أُدير هذا الملف من خلال آليات مؤسسية واضحة، فيمكن أن يُسهم في تحفيز الصادرات السورية واستعادة جزء من الاحتياطيات النقدية المفقودة، وخاصة إذا تم تسعير الصرف بالعملات الوطنية أو من خلال اتفاقيات التبادل المباشر، لتجنب تأثير العقوبات على التحويلات المالية".
وأشار قوشجي إلى أن القطاع المصرفي السوري يجب أن يواكب هذا الانفتاح من خلال تحديث أنظمة الدفع الإلكتروني وفتح قنوات التواصل المصرفي الخارجي، معتبراً أن "الاقتصاد السوري يحتاج إلى شراكات عملية لا شعارات، وأذربيجان بوابة مناسبة لذلك".
تمثل العلاقة مع أذربيجان نافذة سياسية واقتصادية لسوريا
"نقطة توازن"
بدوره، الدكتور سامر الخطيب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة دمشق، شرح هذا البعد، قائلاً: "تمثل العلاقة مع أذربيجان نافذة سياسية واقتصادية لسوريا، فهي دولة مسلمة ذات علاقات متوازنة مع تركيا وإيران وروسيا، مما يجعلها نقطة توازن في تفاعلات المنطقة".
وتابع: "من منظور جيوسياسي، يعني دخول الغاز الأذربيجاني إلى سوريا توسيع دائرة المصالح الإقليمية داخل الأراضي السورية، مما يمنح دمشق مجالاً أوسع للمناورة في علاقاتها الدولية، ويهيئ الأرضية لتعاون أمني وتقني محتمل".
ولكن وبحسب "ميديا لاين"، رغم التفاؤل الرسمي المحيط بهذه الشراكة المتجددة، إلا أن الطريق إلى الأمام لا يزال مليئاً بالتحديات. لا تزال العقوبات الغربية تُقيّد قدرة سوريا على إجراء المعاملات المالية المباشرة، بينما تُكافح البلاد لإعادة بناء البنية التحتية اللازمة لاستقبال وتوزيع الغاز الأذربيجاني.
بالإضافةً إلى ما ورد أعلاه، تواجه سوريا فجواتٍ كبيرة في جودة صناعتي المعادن والذهب وقدرتهما التنافسية مقارنة بالأسواق الأخرى، وفقاً للموقع الأمريكي.
ويُشير الخبراء الاقتصاديون إلى أن الفجوة الكبيرة في أسعار الذهب السوري والذهب العالمي، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي، قد تُعيق تنافسية المجوهرات السورية في الأسواق الأذربيجانية وغيرها من الأسواق الأجنبية.
ولهذا السبب، يُعتبر إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على قطاع المعادن الثمينة أمراً أساسياً لتنظيم السوق، والحد من التهريب، وتعزيز الإنتاج الرسمي.
في السنوات الأخيرة، ومع تحوّل المشهد الإقليمي، ظهرت بوادر تقارب جديدة بين سوريا وأذربيجان. فقد أعربت باكو عن اهتمامها بالمساهمة في إعادة إعمار سوريا، لا سيما في قطاعي الطاقة والبنية التحتية، بينما أبدت دمشق استعدادها لتسهيل الاستثمارات الأذربيجانية وتبادل الخبرات الفنية.
التعاون السوري الأذربيجاني يمكن أن يتطور إلى نموذج للتكامل الاقتصادي الإقليمي
تكامل اقتصادي
يرى المحللون أن هذا التقارب في العلاقات هو إعادة ترتيب دبلوماسي هادئ مدفوع بالبراغماتية الاقتصادية أكثر من التحالفات السياسية السابقة.
ويرى المراقبون أن التعاون السوري الأذربيجاني يمكن أن يتطور إلى نموذج للتكامل الاقتصادي الإقليمي إذا أُدير بمرونة وشفافية.
ووفقاً لـ "ميديا لاين"، ففي حين توفر أذربيجان موارد طاقة واسعة وخبرة واسعة في البنية التحتية والموانئ والخدمات اللوجستية، فإن موقع سوريا الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط يجعلها مركزاً محتملاً لعبور طرق الطاقة والتجارة التي تربط الشرق الأوسط بأوروبا.
كما يمكن أن يمتد التعاون ليشمل الزراعة والتكنولوجيا وتطوير الموانئ، مما يعزز الأهداف الاقتصادية المشتركة ويساهم في استقرار إقليمي أوسع.
وبحسب الموقع الأمريكي، يبدو أن التعاون السوري الأذربيجاني يتجاوز بكثير مجرد صفقة غاز واحدة أو مبادرة اقتصادية مؤقتة. فهو يُشير إلى تحول أوسع في علاقات سوريا الإقليمية وجهود متضافرة لتجاوز سنوات من العزلة المالية والسياسية.
إلى ذلك، إذا تمكن الطرفان من تحويل اتفاقياتهما إلى مشاريع ملموسة والاستفادة بفعالية من خبرة أذربيجان في مجالي الطاقة والصناعة، فقد تبرز هذه الشراكة كنموذج جديد للتعاون في الشرق الأوسط - نموذج يتجاوز الخطابات إلى تحقيق نتائج حقيقية وملموسة.
أذربيجان يمكنها الاستفادة من علاقاتها القوية مع كل من إسرائيل وسوريا
جسر للحوار
كشف عادل خان غاديليشيف، المحلل في معهد "التكامل الأوراسي"، بأنه على الرغم من وجود العلاقات بين أذربيجان وسوريا سابقاً، إلا أنها تدهورت في عهد الرئيس السابق بشار الأسد.
وقال، إن الأسد أضعف العلاقات مع دولة كان من الممكن أن تصبح حليفاً استراتيجياً، وفق تعبيره.
وأشار إلى أن أذربيجان كانت من أوائل الدول التي هنأت الشعب السوري وحكومته على تغيير النظام، مؤكداً أن باكو دأبت على تأكيد التزامها بوحدة أراضي سوريا وسيادتها الوطنية.
وفي الوقت نفسه، أشار إلى أنه "في حين أبدت أذربيجان تضامناً حقيقياً مع دمشق، فإن العديد من الدول العربية اتبعت سياسة المعايير المزدوجة في تعاملها مع سوريا"، على حد وصفه.
وأكد الخبير الأذربيجاني أن العلاقات بين أذربيجان وسوريا أصبحت الآن جزءاً أساسياً من سياسة باكو المتطورة تجاه الشرق الأوسط.
وقال: "بناءً على توجيهات الرئيس إلهام علييف، زارت وفود أذربيجانية سوريا للتعبير عن دعم بلادنا لجهود إعادة الإعمار والبناء والتعافي فيها".
وأكد أن "باكو تلقت رسائل إيجابية للغاية من دمشق في هذا الصدد". وقال إن سوريا تُعتبر من الدول المحورية في الشرق الأوسط، وأن تطوير أذربيجان لعلاقاتها معها أمر بالغ الأهمية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط.
وأوضح أن أذربيجان، بخبرتها في الوساطة، يمكنها الاستفادة من علاقاتها القوية مع كل من إسرائيل وسوريا لتكون جسراً للحوار بين دمشق وتل أبيب.
وأشار إلى أن هذه الجهود لن تقتصر على تحسين العلاقات بين البلدين، بل يمكن أن تُسهم أيضاً في دفع عجلة السلام الشامل والدائم في المنطقة.


