هاشتاغ - خاص
بالرغم من الاتفاق الذي وقعته "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد مع القيادة السورية الجديدة في 10 آذار، والتي تقضي بدمج مؤسساتها العسكرية وغيرها، بما في ذلك حقول النفط والغاز، تحت سيطرة الحكومة المركزية بحلول نهاية العام، لا تزال مظاهر انعدام ثقة الأكراد السوريين بالحكومة الجديدة تتزايد وتتعمق.
بواعث القلق
كشفت التجاذبات الإعلامية والمطبات الأمنية التي شابت عمليات جس النبض في محاولة وضع خطط تنفيذية لتطبيق الاتفاق بين الجانبين عن فجوات عميقة بين الجانبين سواء لجهة شكل سوريا الجديدة أم لشكل الاندماج الذي يريده الطرفان.
في البداية رحب الأكراد، الذين يشكلون حوالي 10% من سكان سوريا، بالاتفاق الذي ينص على تمتعهم بنفس الحقوق التي يتمتع بها السوريون الآخرون. لكن سرعان ما ظهرت العراقيل لجهة كيف ستنضم "قسد" إلى الجيش الوطني؟ هل على شكل قوة واحدة أم سيتم تذويبها في الجيش؟ وهذا ما يرفضه الأكراد.
ففي أول اختبار حقيقي للاتفاق، سواء في الأحياء ذات الغالبية الكردية في مدنية حلب أم حول سد تشرين، تكشّف وجود شكوك عميقة ومتجذرة بين الطرفين، ومخاوف كردية من استئثار السلطة الحاكمة بكل شيء بعد أن تتمكن من بسط نفوذها العسكري في مناطق سيطرة الأكراد القائمة حالياً.
تبادل الجانبان الأسرى في أحياء حلب، لكن الاتفاق علّق نتيجة خلافات، مما يؤكد التاريخ الطويل للتوترات، وعلى نفس المنوال جرى اتفاق لإدارة سد تشرين بشكل مشترك تحت سيطرة الحكومة المركزية، لكن شابته أيضاً بعض العراقيل وقيل عن حصول اشتباكات في محيطه ولم ينفذ الاتفاق بعد.
وبحسب مصادر عسكرية فإن قوات الطرفين عادت للتمركز في النقاط المتقدمة، بالتوازي مع رفع "قسد" جاهزيتها القتالية.
ماضٍ متشدد
يعزو الأكراد عدم ثقتهم بالحكومة الجديدة إلى ارتباطات سابقة للسلطة الحالية بتنظيم القاعدة الذي خاضوا ضده معارك عنيفة على مدار سنوات بدعم من القوات الأمريكية.
وخاض الأكراد معارك ضارية مع "داعش" وجبهة النصرة ( هيئة تحرير الشام التي تولت السلطة حالياً) في دير الزور والرقة وكذلك مع الفصائل المسلحة (الجيش الوطني) المدعومة من تركيا، وخسروا عشرات بل مئات الضحايا في تلك المعارك.
العامل التركي
يضاف إلى ذلك شعور الأكراد بالقلق من العلاقات الوثيقة والدعم والتبني القوي الذي تحظى به الحكومة الجديدة من تركيا العدو اللدود للأكراد والتي شنت عمليات عسكرية ضدهم في عفرين وعين العرب" كوباني" وغيرها من المدن القريبة من الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.
وتنظر تركيا إلى المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا كإرهابيين مرتبطين بالمسلحين الأكراد داخل تركيا الذين يقاتلون الحكومة منذ أكثر من 40 عاماً. وخلال سنوات الحرب السورية شنت تركيا هجمات برية احتلت فيها منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية وهجّرت أهلها كما شنت غارات جوية على القوات الكردية السورية عبر الحدود ودعمت المجموعات المسلحة السورية ضد الأكراد.
ويتساءل الأكراد هل سيوقف الاتفاق مع الحكومة في دمشق مسلسل الغارات التركية ضدهم؟
لكن الجيش التركي واصل هجماته ضدهم. وآخر هجوم تركي تم تسجيله أمس الاثنين في محيط سد تشرين الإستراتيجي حيث قصفت المسيرات التركية عبر 4 غارات مواقع "قسد".
تصرفات الحكومة ومجازر الساحل
تخشى القوى الكردية أن تتعامل معها الفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلة وزارة الدفاع السورية بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع الأهالي في الساحل السوري، حيث تم ارتكاب مجازر طائفية تحت شعار ملاحقة فلول النظام السابق، وقد ذهب ضحية تلك المجازر آلاف المدنيين بينهم عدد كبير من النساء والأطفال.
ليس هذا فحسب، بل إن تصرفات الحكومة وتغاضيها عن التحشيد الطائفي والعرقي وفي بعض الأحيان مباركتها له، ضد كل من يخالفها الرأي يجعل الأكراد يترددون في الوثوق بالسلطة الجديدة ومحاولة فرض حقوقهم الثقافية والاجتماعية والسياسية في أي اتفاق مع السلطة الجديدة.
وما يجري من تحشيد منذ أيام ضد الدروز والهجمات التي طالت أماكن تواجدهم في جرمانا بدمشق وصحنايا وفي بعض الجامعات، يجعل الأكراد يحسبون ألف حساب لأي خطوة مقبلة تجاه الاندماج في الحكومة الجديدة.
حملات التحريض
ليس بعيداً عن تصرفات الحكومة وسياسة الاستئثار التي تتبناها في المناصب الحكومية الفاعلة على كافة المستويات، في الجيش والأمن والوزارة والإدارة، هناك جيش من الذباب الالكتروني يتحرك بإشارة ما، لتكفير وتخوين أي طرف أو شريك في الوطن عند أي ظرف أو خلاف سياسي أو اجتماعي مع السلطة الجديدة، بغض النظر عن طبيعة الخلاف وأحقيته، فيكفي نشر شريط مسجل مجهول الهوية بلهجة أهل السويداء يسيء للنبي الكريم محمد، لإطلاق حملات التكفير والتخوين والدعوات للانتقام لرسول الإنسانية من طائفة بعينها حتى وإن تبرأت من صاحب التسجيل وأدانته.
وتبدأ حشود مسلحة بالهجوم على بعض مناطق سكن الدروز ويذهب ضحية الهجمات المسلحة شباب من الطرفين.
مؤتمر وحدة الصف والفدرالية
في الوقت الذي تعمل فيه القوى الكردية لتوحيد صفوفها من أجل التفاوض بصوت واحد مع السلطة المركزية بدمشق وتحصين المكتسبات التي حققها الأكراد على مدى العقد الماضي، سواء على شكل إدارة ذاتية أم حكم فدرالي، جاءت ردة الفعل قاسية من الرئاسة السورية بقيادة أحمد الشرع على الطروحات التي خرج بها مؤتمر الوحدة الكردية بالأمس، فاعتبره خروجاً عن الوحدة الوطنية وتهديد لوحدة البلاد وسلامة أراضيها.
واعتبرت الرئاسة أن مخرجات المؤتمر الكردي تتعارض مع مضمون الاتفاق الذي جرى بين الشرع وقيادة "قسد"، رافضة أي "محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل".
وكان قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مظلوم عبدي، طالب خلال افتتاح المؤتمر، "بضرورة ضمان حقوق الشعب الكردي في سوريا، وصونها في دستور البلاد، وتحقيق ديمقراطية لا مركزية تصون حقوق جميع السوريين".
وتظهر الأحداث المتتالية أن محاولات بناء جسور الثقة بين السوريين بشكل عام مازالت غير قادرة على جسر الهوة بين الأطراف والمكونات بعد 14 سنة من حفر الخنادق وبناء الدشم، ويبدو أن هناك أطراف داخلية وخارجية تريد لهذا الوطن أن يبقى أسير التناقضات والتجاذبات بعيداً عن لغة الدولة ومنطقها الذي يساوي بين جميع أبنائها في الحقوق والواجبات، الأمر الذي يتطلب من الدولة الإسراع بفرض القانون على الجميع وتجريم التحريض الطائفي ومنع التعدي على الحقوق الشخصية والعامة.