هاشتاغ
بحث

صراع النفوذ على سوريا.. ماذا عن السوريين؟

11/05/2025

النفوذ-في-سوريا-بعد-سقوط-الأسد

شارك المقال

A
A



هاشتاغ- خاص


بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد بشكل غير متوقع نهاية عام 2024، تسابقت القوى الإقليمية والدولية التي كانت تهندس مجريات الحرب الدائرة في البلاد منذ 13 عاماً إلى اغتنام الفرصة الفريدة، والاستفادة من حالة فراغ القوة في البلاد لترسيخ النفوذ، الأمر الذي أشعل اشتباكاً سياسياً قد يتحول إلى صدام عسكري في أي وقت.


قوتان إقليميتان بدأتا الصراع السياسي بأدوات عسكرية، والمقصود هنا، تركيا وإسرائيل، ناهيك عن القوى الأوروبية والعربية التي تتحرك محمومة لحجز حصتها الاقتصادية من "كعكة" إعادة الإعمار، وإزاحة عبء اللاجئين.

تركيا وحلم النفوذ


ليس خافياً على أحد الدور البارز الذي لعبته تركيا عسكرياً لجعل عملية إسقاط نظام الأسد ممكنة، خصوصاً من خلال دعمها العسكري والسياسي للفصائل المسلحة في شمال حلب وإدلب، والدفاع عنها عندما لزم الأمر، كما حصل عام 2019 إثر تقدم الجيش السوري جنوب وشرق إدلب وغرب حلب.


تريد أنقرة اليوم أن توظف علاقة الأبوة والاحتضان التي خصّت بها هيئة تحرير الشام (جبهة النصر سابقاً) ولاسيما زعيمها آنذاك، الرئيس الحالي أحمد الشرع، لفرض حصتها الأكبر في سوريا اقتصادياً وعسكرياً، كتعويض عن مساهماتها السابقة وتعزيز نفوذها الإقليمي.


وتهدف تركيا من وراء ذلك إلى تعزيز نفوذها كقوة عسكرية إقليمية بديلة عن إيران وموازية لإسرائيل، واستغلال هذا النفوذ على السلطات في دمشق لقتل "أحلام" الأكراد السوريين "بالحكم الذاتي" وتذويب هياكلهم الإدارية والعسكرية التي تشكّلت في فوضى الحرب، تحت سيطرة الحكومة المركزية، بالإضافة إلى إعادة قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا وفق ترتيبات تركيّة.


وتعكس الزيارات المتكررة لوزير الخارجية التركي حقان فيدان ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالن إلى دمشق، سعي أنقرة لتوجيه الحكم السوري الجديد وتحديد مسارات تعاطيه مع القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء.


قطر والغاز الأوروبي


تصطف إمارة قطر في محور تركيا كممول مهم للمشاريع التركية في سوريا، وتريد الدوحة من هذا التحالف الاستفادة من سوريا كجغرافيا عبور حتمية لمشاريع أنابيب الغاز القطري إلى أوروبا عبر تركيا، وهو أمر رفضته دمشق طويلاً وبعناد إبان حكم بشار الأسد كرمى عيون الغاز الروسي.


وتريد الدوحة، الخصم العنيد لنظام الرئيس السابق، الاستقرار للحكم الجديد باعتباره نجاحاً لخيارها وخطوة مهمة في تحقيق إستراتيجية الطاقة التي تسعى لتحقيقها والتي تجعلها منافساً قوياً لروسيا في سوق الطاقة الأوروبية.


العامل الأمريكي


هنا يبرز العامل الأمريكي الذي يشكله الرئيس دونالد ترامب كقائد أوركسترا السياسة الدولية تجاه سوريا. فالواضح أن جميع الخيوط السياسية في سوريا مربوطة بالبيت الأبيض وتخضع لضوء أخضر من واشنطن.


وبالرغم من حالة عدم اليقين الذي تتصف به السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وعدم تبلورها بشكل واضح، بدا ترامب معجباً بما حققه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا عندما قال بأن أردوغان "أخذ سوريا"، ونصح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو "التفاهم" معه فيما يخص سوريا.


هذا الموقف يعطي انطباعاً أن واشنطن، أوكلت مهمة ترتيب الأوضاع السياسية في سوريا لتركيا وإسرائيل، فهي لم تعترف بعد بالقيادة السورية الجديدة وقدّمت لائحة مطالب من نحو 8 بنود لرفع العقوبات والاعتراف بها، وجميع هذه البنود تصب في إطار السياسة الإسرائيلية والسلام الإبراهيمي الذي ترعاه واشنطن.


تل أبيب .. اليد الضاربة


تبدو "إسرائيل" حتى الآن، الأقدر والأكثر جرأة في التعبير عن طموحاتها السياسية في سوريا، عندما شنت في أعقاب سقوط الأسد مباشرة غارات لم يسبق لها مثيل، دمرت خلالها مايزيد عن 90% من القوة العسكرية السورية من مطارات وطائرات ودبابات ودفاعات جوية وتحصينات.


وعملت على احتلال منطقة فض الاشتباك على حدود الجولان السوري المحتل التي أقرتها اتفاقية الهدنة عام 1974 وتجاوزتها بعشرات الكيلومترات ووصلت إلى جنوب العاصمة دمشق، وبدأت إنشاء منطقة عازلة بطول 90 كم وعرض نحو 20 كم مع تحصينات وخنادق ودشم، وأعلنت أن جيشها سيبقى في هذه المنطقة إلى وقت غير محدد.


وفوق ذلك، منعت "إسرائيل" حكومة دمشق من نشر قواتها في المنطقة الجنوبية، وتحركت لمنع أنقرة من توسيع نفوذها العسكري وسط سوريا، وتحديداً في مطار T4 العسكري بمحافظة حمص، وشنت غارات دمرت فيها البنية العسكرية للمطار بالكامل في وقت كان وفد عسكري تركي متوجهاً للمطار لدراسة إعادة تجهيزه وتعزيز دفاعاته الجوية.


وتعمل تل أبيب على استغلال ورقة الأقليات وذريعة الدفاع عن الدروز لفرض أجنداتها السياسية والعسكرية على السلطة المؤقتة في دمشق من أجل تحصيل تنازلات فيما يخص الجولان وربما إبرام تسوية ضمن اتفاقات أبراهام التي رعتها الولايات المتحدة منذ سنوات.


السياسة الإسرائيلية دفعت دمشق إلى الإعلان أكثر من مرة أنها "ليست في وارد الدخول في أي حرب أو صراع" مع "إسرائيل"، بل أعلن الشرع خلال زيارته إلى باريس قبل أيام بأن هناك محادثات غير مباشرة مع تل أبيب لوقف التصعيد.


باريس وحلم الانتداب


لم تتأخر فرنسا، التي احتلت سوريا لأكثر من 25 عاماً قبل الاستقلال، عن التحرك باتجاه دمشق وفتحت باريس أبوابها في السابع من أيار كأول عاصمة أوروبية وغربية أمام الشرع الذي ما يزال مدرجاً على قوائم الإرهاب العالمية.


صحيح أن عناوين الزيارة التي أعلنها قصر الاليزيه تتحدث عن دعم المرحلة الانتقالية في سوريا واحترام حقوق الأقليات، لكن باريس "لن تقدم شيكاً على بياض" كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو.


فباريس تبحث عن استعادة نفوذها في الدولة المتوسطية التي كانت تحت انتدابها قبل ثمانية عقود، وحجز موطئ قدم للشركات الفرنسية للاستثمار في ظل السباق المحموم على النفوذ في سوريا. وكانت البداية بمنح شركة فرنسية عقد استثمار مرفأ اللاذقية لمدة 30 عاماً قبل أيام.


ومما تسرّب عن المحادثات التي جمعت الشرع بالرئيس الفرنسي إيمانويل في 7 أيار الجاري، أن الأخير طلب من الشرع إخراج روسيا بشكل كامل من سوريا على غرار إيران، لتحل مكانها فرنسا متعهداً مقابل ذلك بفتح أبواب العواصم الأوروبية أمام القيادة السورية ورفع تدريجي للعقوبات الغربية.


روسيا .. ترسيخ القواعد


تعتبر روسيا الخاسر الأكبر بعد إيران جراء الانقلاب السياسي الذي حصل في سوريا، وهي تعمل على الحفاظ على وجودها العسكري في كل من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية والقاعدة البحرية في طرطوس، لكن ذلك سيخضع لمساومات واعتبارات دولية لن يتم حلها بسهولة بالنسبة لدمشق.


ارسلت كل من دمشق وموسكو مؤشرات عن رغبة في حل الإشكالات عبر الحوار وحفظ المصالح المشتركة، فالرئيس الشرع تحدث عن علاقات تاريخية تجمع روسيا بسوريا، فيما أكدت موسكو انفتاحها لمساعدة العهد الجديد في تحقيق الاستقرار وقدمت مساعدات نفطية لترميم النقص الحاد في البلاد.


لكن ماتزال موسكو تمتلك أوراق قوة يمكنها أن تزعزع الأوضاع الأمنية في البلاد في أي خصومة مع دمشق، وبالتالي عرقلة المرحلة الانتقالية وتقويض حكم الشرع الذي يحاول فرض سيطرته على كامل البلاد وسط تحديات أمنية واقتصادية كبيرة.


العرب والضوء الأخضر الأمريكي


بالرغم من ضرورة أن تلعب الدول العربية دوراً محورياً في مساعدة السوريين على النهوض من تداعيات الحرب وتحقيق الاستقرار، يبقى التحرك العربي محكوماً بالموافقة الأمريكية، فحتى مجرد تقديم قطر دعماً مالياً لرفع رواتب موظفي القطاع العام احتاج إلى موافقة علنية من واشنطن.


لذلك يبقى الدور العربي مرهوناً بسقف السياسة الأمريكية ورضاها على الإدارة السورية الجديدة واعترافها بها.


ماذا عن السوريين؟


يتذرع جميع المتصارعين على سوريا بحرصهم على الشعب السوري بمكوناته المختلفة ووحدة سوريا، لكن هذه العناوين ليست سوى ستاراً لتحقيق مصالح القوى المتصارعة. فلا تركيا ولا إسرائيل ولا فرنسا و لا روسيا وغيرها من الدول العربية يهمها سوى مصالحها الخاصة ولو على حساب الشعب السوري، ولنا في سنوات الحرب الـ13 الماضية خير دليل على ذلك.


أمام كل هذا، لابد للسلطة الجديدة في دمشق من مراجعة سلوكها وسياساتها الداخلية وأن تنتهج خطاباً وطنياً جامعاً ويتم تنفيذه على الأرض وليس مجرد إطلاق عناوين للاستهلاك الإعلامي.


وينبغي أن تتبنى سياسة وطنية منفتحة على السوريين جميعاً ونبذ الفرقة ومواجهة الخطابات الطائفية لقوى محسوبة على السلطة، وإعادة بناء مؤسسة الجيش والقوى الأمنية برؤية وطنية جامعة تستوعب كل المكونات السورية على أساس من المساواة في الحقوق والواجبات، ودون ذلك ستتحول البلاد إلى كيان متفكك تتقاذفه المصالح الدولية وصراعاتها.


التعليقات

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025