هاشتاغ
بحث

هل تعمّق "العدالة الانتقالية" الانقسام بين السوريين؟

19/05/2025

العدالة

شارك المقال

A
A

هاشتاغ - متابعات

 

أثار مرسوم إحداث "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" الذي أصدره الرئيس أحمد الشرع بالأمس موجة انقسام جديدة بين السوريين، مابين مؤيد للقرار بشكل مطلق ورافض له نظراً لاقتصاره على الجرائم التي ارتكبها النظام المخلوع، ما يعطي انطباعاً بأن العدالة التي تريدها السلطة الحالية هي "انتقائية" وليست انتقالية بحسب العديد من الناشطين والمختصين.

 

وجاء في مرسوم إحداث الهيئة في 17 أيار الجاري أن مهمتها "كشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب بها النظام البائد، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية".

 

وكان تطبيق "العدالة الانتقالية" في سلم أولويات المطالبات الداخلية والخارجية والأممية من السلطات الحالية منعاً من استغلال مجموعات متطرفة أو متضررة من ممارسة عمليات ثأرية انتقامية على خلفية الجرائم التي ارتكبت خلال سنوات الحرب الأربعة عشرة.


جميع الجرائم.. بغض النظر عن الفاعل

ويرى العديد من السوريين أن حصر مهام الهيئة بالجرائم التي ارتكبها النظام المخلوع وهي كثيرة وبشعة، يعفي عملياً الأطراف الأخرى من التنظيمات الإرهابية المسلحة، من الجرائم التي ارتكبتها بحق السوريين على مدى سنوات الحرب، ويمنحها الحصانة من المحاكمة باعتبار مرسوم إحداث الهيئة لم يتطرق لذكرها ولم يضعها ضمن مهامها وكأنها لم تكن.

 

المرصد السوري لحقوق الإنسان يؤكد في بيان له تعقيباً على تشكيل الهيئة أن "ارتكاب القسم الأكبر من الانتهاكات من قبل النظام وأجهزته لا يُلغي ضرورة التحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها باقي الأطراف، فمعايير العدالة الانتقالية تتطلب شمول جميع الجرائم المرتكبة، دون النظر لهوية الفاعلين وانتماءاتهم، لضمان المساءلة والإنصاف وعدم الإفلات من العقاب".

 

ويحذر من أن "أي انتقائية في المحاسبة ستقود إلى ما يُعرف بـ “عدالة المنتصر”، وهي عدالة مشوهة لا تحقق الإنصاف ولا تبني الثقة، بل تكرّس الانقسام والانتقام تحت غطاء القانون".

 

وطالب المرصد بإعادة النظر في آليات وعمل هيئة العدالة الانتقالية، وضمان شموليتها واستقلاليتها ومهنيتها، بما يعكس احتراماً حقيقياً لكل الضحايا، ويحقق هدف العدالة بوصفها حجر الأساس لأي مصالحة مستقبلية حقيقية في سوريا.


العدالة تتطلب محكمة دولية خاصة بسوريا

المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في المهجر رفض قرار تشكيل الهيئة على هذا النحو وأكد أنّ "العدالة الانتقالية في سوريا لا يمكن أن تتحقق إلا عبر إحالة من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو تشكيل لجنة تحقيق ومحكمة دولية خاصة بسوريا، يكون بين قضاتها سوريون من كل الأطراف ومن ثم عرض فكرة المحاسبة على الشعب، ليقرر باستفتاء، إما المسامحة أو المحاسبة المحدودة لكبار المجرمين من كل الأطراف".

 

واعتبر المجلس أنّ تعيين رئيس المكتب السياسي لــ"جيش أسود الشرقية" وعضو الائتلاف الوطني لـ"قوى الثورة والمعارضة السورية"، عبد الباسط عبد اللطيف، "يضع هيئة العدالة الانتقالية في موقع غير حيادي في التعامل مع الضحايا".


العفو الدولية: جميع أطرف الحرب ارتكبوا جرائم

وكانت منظمة العفو الدولية أعلنت بالأمس أنها وثّقت منذ عام 2011 إلى عام 2024، ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من قبل جميع الأطراف المتصارعة في سوريا، منها حكومة الرئيس المخلوع بشَّار الأسد وحلفائها وكذلك الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة وحليفتهم تركيا، وسلطات الأمر الواقع بقيادة الأكراد والقوى المتحالفة معهم".

 

وأضافت المنظمة أنها وثّقت "انتهاكات ممنهجة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري، ارتكبها ضباط إنفاذ القانون السابقون وأجهزة الاستخبارات، وداخل نظام السجون. وبالإضافة إلى ذلك، وثقت المنظمة عمليات اختطاف وتعذيب وقتل بإجراءات موجزة على أيدي جماعات مسلحة سابقة غير حكومية، بعضها مدمج الآن في وزارتي الدفاع والداخلية".

 

ودعت المنظمة الحكومة السورية الجديدة إلى اتخاذ خطوات فورية وملموسة لتحقيق العدالة ومعالجة إرث البلاد المدمر من الانتهاكات، وتطبيق إصلاحات عاجلة تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان لمنع وقوع المزيد من الانتهاكات.


كتاب وناشطون: لن تتحقق العدالة دون أن تشمل جميع الجرائم

الكاتبة السورية هنادي زحلوط كتبت على صفحتها على الفيسبوك تعليقاً على تشكيل الهيئة أن "أسوأ ما في قانون العدالة الانتقالية هو فصله بين الضحايا.. رزان زيتونة التي راحت ضحية جيش الإسلام، وعبد العزيز الخير الذي هو ضحية نظام الأسد، وسمر صالح التي هي ضحية داعش! هؤلاء كلهم كانوا ثواراً سلميين، وناشطين مدنيين، كانوا مثلنا في صف واحد يناضلون من أجل دولة مدنية لكل السوريين!"

 

"لماذا تريدون أن تسموا ضحايا النظام فقط ضحايا، أمّا من تبقى فهم ليسوا ضحايا المرحلة ذاتها وترون دون وجه حق ألا تشملهم العدالة! نرجو أن يتم تدارك الأمر ولا يتحول القانون لتفريق السوريين مجدداً".

 

مركز" عدل" لحقوق الإنسان، رحب بصدور مرسوم تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية لكنه "رأى فيه خطوة ناقصة لن تؤدي إلى تحقيق أهداف العدالة الانتقالية المتمثلة في إنصاف الضحايا، وتعزيز ثقة الأفراد في مؤسسات الدولة، واحترام حقوق الإنسان ومنع وقوع انتهاكات جديدة."

 

وأكد أن هذا الهدف لن يتحقق طالما لم تشمل العدالة "انتهاكات جميع أطراف الصراع في سوريا، وأيضاً كشف الحقيقة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت بعد ٨ كانون الثاني/ ديسمبر ٢٠٢٤، خاصة المجازر التي وقعت في مناطق الساحل السوري وبعض المناطق في ريف حمص وحماة وأحياء جرمانا وصحنايا".

 

من جهته، الباحث المعارض الدكتور رضوان زيادة أكد في تعليق على مرسوم تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية على صفحته على الفيسبوك: "طريقة تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والهيئة الوطنية للمفقودين يدعو للإحباط، ليس بهذه الطريقة يتم تشكيل أهم مؤسسات وطنية تسعى لتحقيق العدل والإنصاف والحقيقة للضحايا وما أكثرهم في سورية".

 

أما الدكتور في العلوم السياسية مالك الحافظ، فقد أكد عبر منشور في صفحته على" فيس بوك" أن "العدالة التي تغض الطرف عن محاسبة كل الجناة أو تعويض المتضررين، ليست عدالة انتقالية. إنها عدالة المنتصر".

 

وأوضح أن "العدالة الانتقالية، تكتسب مشروعيتها من قدرتها على تفكيك خطاب الإفلات من العقاب، ومواجهة الحقيقة كاملة دون انتقاء. لذا، فإن أي تغييب للانتهاكات التي ارتكبتها أطراف متعددة وفي مقدمتها إلى جانب قوات نظام الأسد؛ تأتي هيئة تحرير الشام وتنظيم داعش، يفضي إلى اختلال في ميزان العدالة، ويُضعف من فرص تحقيق المصالحة المجتمعية".

 

وحذّر الدكتور الحافظ من أن "الانتقائية في المحاسبة تعيد إنتاج الاستقطاب الاجتماعي وتحوّل مسار العدالة إلى فعل إقصائي، يهمّش فئات من الضحايا ويمنع الاعتراف بآلامهم، مما يُفرغ العملية برمتها من مضمونها التصالحي، ويعيق تأسيس عقد اجتماعي جديد يقوم على المساواة وسيادة القانون".

 

أمام هذه الانتقادات من المختصين في الشأن الحقوقي والإنساني، هل تتدارك السلطة الحالية الثغرات في ملف العدالة الانتقالية، وتعيد تصويب مساره بحيث يكون مساراً للعدالة والمصالحة الوطنية، وليس مساراً لإعادة إنتاج الفرقة بين السوريين وتعميق الشرخ بينهم على المستوى الإنساني والوطني؟.


التعليقات

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025