هاشتاغ - خاص
في الوقت الذي يعيش فيه السوريون والسلطة الانتقالية في دمشق فرحة رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سوريا، تترقب الأوساط السياسية داخل البلاد وخارجها كيف ستتعامل السلطة الحالية مع الشروط الغربية لهذا الانفتاح، وفي مقدمها حل عقدة المقاتلين الأجانب التي تشكّل واحداً من أصعب الشروط المطلوب تنفيذها.
وتشكل قضية المقاتلين الأجانب مصدر قلق إقليمي ودولي، كون هؤلاء ينتمون لجنسيات متعددة ويمتلكون قدرات عسكرية كبيرة وفاعلة في "هيئة تحرير الشام" التي قادت عملية إسقاط النظام السابق، بالإضافة لمخاطر انضمام بعض هؤلاء إلى التنظيمات الجهادية المتشددة التي بقيت خارج إطار السلطة، كتنظيم داعش وغيره.
فواشنطن التي تتحكم بمفاتيح الانفتاح العالمي على دمشق، استبقت إعلان الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا خلال زيارته للسعودية منتصف الشهر الجاري ولقائه مع الرئيس أحمد الشرع، بقائمة شروط من نحو 12 بنداً تتعلق بسلوك السلطة الجديدة وموقفها من قضايا سياسية دولية وإقليمية وداخلية، ومنها ترحيل المقاتلين الأجانب وإبعادهم عن المناصب العسكرية في الجيش الجديد.
من هم المقاتلين الأجانب في سوريا؟
لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المقاتلين الأجانب في سوريا وتوزع جنسياتهم، كونهم جاؤوا إلى البلاد على مدى عقد من الزمن بعد عام 2011، ومعظمهم انضم في البداية لتنظيم داعش وجبهة النصرة التي غيرت اسمها لاحقاً إلى "هيئة تحرير الشام" والتي قادت عمليه إسقاط النظام السوري نهاية 2024.
ويقدّر عدد المقاتلين الأجانب في سوريا بالآلاف، وأكبر مجموعة بينهم هم من الإيغور، الذين يعرفون أيضاً باسم "التركستان"، من وسط وشرق آسيا، بما في ذلك الصين، بالإضافة إلى مقاتلين من روسيا والبلقان ودول أوروبية وعربية بما فيها فرنسا وتركيا.
وكان الشرع أعلن بعد توليه السلطة نيته منحهم الجنسية السورية تقديراً لجهودهم في المساعدة على الإطاحة بالنظام السابق، ومنَح رتب عسكرية عليا لعدد من قادتهم، منها رتبة لواء وعميد وعينهم في مناصب قيادية في الجيش السوري الجديد، الأمر الذي أثار قلق وغضب العديد من دول العالم.
دمج أم ترحيل؟
بالرغم من تعهد السلطات السورية الجديدة للدول الغربية بحل مسألة المقاتلين الأجانب وتجميد منحهم مناصب في السلطة الجديدة، عملت دمشق على دمج أولئك المقاتلين، وخصوصاً الحزب الإسلامي التركستاني المصنّف على قائمة الإرهاب، في هياكل الجيش السوري الجديد، ومنحت بعضهم رتب عسكرية عليا ومناصب قيادية.
وأعلنت وزارة الدفاع السورية في 18 مايو/أيار الجاري، ضم جميع الفصائل العسكرية تحت مظلتها، وبالتالي ضمنهم حكماً الحزب الإسلامي التركستاني ذي الأغلبية الأيغورية القادمة من الصين ووسط آسيا.
وبحسب المعلومات المتداولة التي نشرها موقع "لونغ وور جورنال"، فقد تم تعيين مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني في الفرقة 84 المُنشأة حديثاً، والتي من المتوقع أن تتكون بشكل كبير من مقاتلين أيغور ومقاتلين أجانب آخرين.
ومع دمج الحزب الإسلامي التركستاني، الذي يضم آلاف المقاتلين في البلاد (نحو خمسة آلاف مقاتل بحسب تقرير سابق لمجلة فورين بوليسي الأمريكية)، في الجيش السوري، يُرجَّح أن تنضمّ إليه أيضاً جماعات جهادية أجنبية أخرى، مثل كتيبة الإمام البخاري، وفرقة مجاهدي الغرباء، واتحاد الجهاد الإسلامي، وأجناد القوقاز التي لها جميعاً صلات مباشرة بتنظيم القاعدة، وفق ما نشره "لونغ وور جورنال".
وقد أثارت ضبابية الموقف الرسمي للسلطات السورية الجديدة بقيادة الشرع، الذي ما يزال مدرجاً على قائمة الإرهاب، قلق العديد من الدول الغربية، بالرغم من أن العديد من المحللين يفسرون موقف الشرع بأنه ينبع من براغماتية سياسية وعسكرية تهدف إلى عدم الاصطدام مع أي من الفصائل التي ساعدته في الإطاحة بنظام الأسد والوصول إلى سدة الرئاسة في البلاد.
القوى الدولية تحذّر دمشق
القلق الدولي دفع الدول الغربية وغيرها إلى إعادة تذكير الشرع بأن حل مسألة المقاتلين الأجانب تشكل أولوية دولية، وقاعدة لاستعادة الأمن والاستقرار في سوريا لاسيما أن هؤلاء المقاتلين متهمين بارتكاب المجازر في الساحل السوري ضد العلويين في 7 آذار 2025 وكذلك ضد المسلمين الدروز في دمشق نهاية شهر نيسان.
فقد عكست جلسة مجلس الأمن الدولي في 21 أيار الجاري قلق الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا والصين من مخاطر تجدد القلاقل الأمنية ولاسيما في ظل وجود هؤلاء المقاتلين المتشددين الذين يحملون أجندات فكرية متطرفة بعيدة عن نهج الحياة في سوريا التعددية المتحررة.
وحذّر مندوب روسيا في مجلس الأمن من "التهديد الخطير الذي تشكله الجماعات الإرهابية التي لا تزال نشطة في سوريا" داعياً القيادة السورية الجديدة لاتخاذ "خطوات حثيثة لحل مشكلة المقاتلين الإرهابيين الأجانب بشكل نهائي" باعتبارهم يشكلون "تهديداً ليس فقط لسوريا، بل للمنطقة والعالم أجمع" لذلك يجب أن "لا يكون هناك مكان في البلاد للمقاتلين الإرهابيين الأجانب - أيديهم ملطخة بالدماء ولا علاقة لهم بالشعب السوري".
لكن مندوب الصين الذي تنظر بلاده بقلق بالغ من وجود مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني الأيغور في سوريا بالإضافة إلى المقاتلين الإرهابيين الأجانب، كان أكثر تحديداً وحذّر من أن تقاعس دمشق "سيكون له عواقب وخيمة".
وأكد أمام المجلس أن "وجودهم في سوريا لا يُهدد أمنها وحدها فحسب، بل يُشكّل أيضاً تحدياتٍ خطيرةً للأمن والاستقرار الإقليمي، بل والعالمي" داعياً السلطات السورية المؤقتة على "اتخاذ جميع التدابير فوراً لمكافحة جميع الجماعات الإرهابية المدرجة في قوائم المجلس، بما في ذلك حركة تركستان الشرقية الإسلامية، المعروفة أيضاً باسم الحزب الإسلامي التركستاني. وألا تُصبح سوريا ملاذاً آمناً للإرهاب".
واشنطن، دعت سوريا عبر ممثلها في مجلس الأمن إلى "إخراج المقاتلين الإرهابيين الأجانب من الجيش السوري بسرعة، وضمان عدم تمكن الإرهابيين الأجانب - بمن فيهم الميليشيات الفلسطينية - من العمل انطلاقاً من سوريا".
من جهته دعا وزير الخارجية اليوناني جورج جيرابيتريتيس الذي تتولى بلاده رئاسة مجلس الأمن الدولي لشهر أيار السلطات السورية إلى منع "تدخل الجماعات المسلحة، والسعي إلى إبعاد المقاتلين الأجانب" عن مؤسسات البلاد.
كما شدد المندوب الفرنسي على أن "استقرار سوريا يتطلب القضاء على التهديد الإرهابي الذي لايزال تهديداً قائماً"، معتبراً أن القضاء على هذا التهديد يشكل "أولوية لفرنسا ومجلس الأمن" داعياً السلطات في دمشق إلى "مكافحة هذا التهديد، وأن تعالج دون تأخير مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب الموجودين على الأراضي السورية".
لماذا تخشى دول العالم المقاتلين الأجانب؟
تخشى دول العالم وخصوصاً تلك التي ينحدر منها المقاتلون الأجانب من أن يشكل فوزهم في معركة إسقاط النظام في سوريا مصدر إلهام للقيام بعمليات مشابهة في دولهم وحشد وتشجيع الحواضن المتشددة للانضمام إليهم أو حتى تنفيذ هجمات إرهابية في العالم، وبالتالي تشكيل خطر حقيقي على الأمن الإقليمي والدولي.
ما يزيد القلق الغربي والإقليمي هو عودة تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد إلى التحشيد ضد القيادة السورية الجديدة بقيادة الشرع.
فقد اتهم التنظيم في افتتاحية صحيفة النبأ الأسبوعية الناطقة باسمه في عددها الأخير، اتهم الشرع "بالخيانة والخضوع" للرئيس ترامب والقيام بأي شيء في سبيل كسب رضاه والبقاء في كرسي الرئاسة.
واعتبر التنظيم أن انقلاب الشرع على "داعش" كان "مقدمة تمهيدية للتحالف مع الأعداء للوصول إلى السلطة على حساب الحلفاء ومن بينهم المقاتلين الأجانب" الذين دعاهم إلى الانشقاق عن الحكومة الحالية بقيادة الشرع والانضمام إلى داعش.
ويخشى العديد من المحللين أن يدفع الانفتاح الذي تقوم به هيئة تحرير الشام بعد وصولها إلى السلطة، العديد من المقاتلين الأجانب الأكثر تشدداً إلى الانشقاق والالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي مع ما يشكله ذلك من مخاطر أمنية حقيقية على سوريا وجيرانها.
وبالرغم من تعدد المطالبات الدولية بحل عقدة المقاتلين الأجانب، إلاّ أن أياً من تلك الدول لم تقدم خارطة طريق معلنة للحل، في ظل مخاوف من أن أي صدام معهم من قبل السلطة الجديدة بدون دعم دولي قوي، قد يشعل حرباً بين الحلفاء في بلد لا تزال ترزح تحت وطأة الانفلات الأمني والعسكري.