هاشتاغ
بحث

من الثورة إلى الدولة.. سوريا إلى أين؟

04/05/2025

من-الثورة-إلى-الدولة-في-سوريا

شارك المقال

A
A



هاشتاغ - خاص


بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، أعلن قائد الإدارة السورية الجديدة (آنذاك)، الرئيس الانتقالي (حالياً) أحمد الشرع، أن الثورة انتصرت وينبغي الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، لأن الثورة تسقط النظام لكنها لا تبني دولة، ومذ ذلك الحين تدخل البلاد في أزمات داخلية متلاحقة تعكس فشل الإدارة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في الخروج من "الفكر الفصائلي" إلى فكر الدولة بالرغم من ارتداء مسؤوليها البذات الأنيقة وربطات العنق.


قرارات الإدارة الجديدة في أعقاب سقوط النظام في 8 ديسمبر 2024 والتي قضت بحل الجيش والشرطة والأحزاب ومجلس الشعب وتولي حكومة إدلب السلطة في البلاد، أحدثت شللاً في إدارة شؤون البلاد وفي الاقتصاد، لاسيما أنها ترافقت مع قرارات فصل بحق الآلاف من الموظفين غالبيتهم من الأقليات.

ورغم ذلك مر نحو شهرين عقب السقوط دون قلاقل أمنية كبيرة، باستثناء العديد من "الانتهاكات الطائفية" التي جرت خلال عمليات التمشيط بحثاً عن "السلاح والفلول" والتي وصفتها السلطة بـ "الحالات الفردية".








من الثورة إلى الدولة


تفاءل معظم السوريين بالمرحلة الجديدة باعتبارها قد تنهي سنوات الحرب الطويلة التي عاشوها، خاصة أن السلطة الجديدة أعلنت مرحلة عنوانها "الحريات والكرامة والعدالة والمساواة وضمان الحقوق"، إلاّ أن مسار بناء الدولة سار بشكل لا يتطابق مع الإعلان السياسي الذي جرى في "مؤتمر النصر" بتاريخ 29 كانون الأول 2024 الذي أُعلن فيه حل الفصائل المسلحة وانضوائها تحت لواء وزارة الدفاع وكذلك التعهدات التي تتحدث عن بناء "دولة المواطنة والحرية والكرامة وسيادة القانون"، كما جاء في الإعلان الدستوري لاحقاً بتاريخ 13 آذار 2025.


وبالرغم من أن الإعلان الدستوري تعهد بحماية حرية المعتقد والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات كما ورد في المادة 3 منه والتي تنص على أن "حرية الاعتقاد مصونة، وتحترم الدولة جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يُخلّ ذلك بالنظام العام". وكذلك المادة 10 التي تقول : "المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب"، إلاّ أن ذلك بقى حبراً على ورق أمام مبدأ "من يحرر يقرر" الذي ساد منطق عمل السلطات، وأمام الانتهاكات التي طالت الأقليات الدينية، والشعارات الطائفية التي بدأت تنتشر في المدن والمحافظات بدعم من جماعات مسلّحة محسوبة على الحكم.


احتكار السلطة


سعت القيادة الجديدة إلى الاستئثار بالسلطة واستبعاد باقي مكونات الشعب السوري من الأكراد والعلويين والدروز والمسيحيين، عن إدارة شؤون البلاد تحت عنوان "الانسجام" وفق ما أعلن الرئيس الشرع، وقد عبّر عن ذلك بأبشع صورة وزير الخارجية أسعد الشيباني عندما برر ذلك بأن "المخطوفة لا تسأل محررها إلى أين سيأخذها بعدما تحريرها من خاطفها"، وهو تعبير يكشف عن آلية تفكير السلطة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام.


وبالرغم من الضغوطات الدولية والمطالبات الداخلية لتحقيق الشراكة في إدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا، عمدت السلطات إلى إجراء حوار وطني "مسلوق" بمن ترضى عنهم، مستبعدة مكونات هامة، من الكتل والأجسام السياسية المعارضة الخارجية والداخلية، واكتفت بمحاورة أشخاص يمثّلون أنفسهم فقط وقد لا يملكون تأثيراً في شارعهم أو حيهم.


ليس هذا فحسب، فبالرغم من حديث السلطة المتكرر عن خططها لتشكيل حكومة تكنوقراط جامعة، اكتفت بتلوين الحكومة التي أعلنتها في 29 آذار 2025 بأشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة من أصل 24 وزيراً، واحتفظت هيئة تحرير الشام بأغلبية الوزارات وأكثرها تأثيراً في تحديد شكل الدولة ومسار البلاد وإدارتها من (الخارجية إلى الدفاع والداخلية والأوقاف والعدل والطاقة والصحة والثفافة والإعلام التنمية الإدارية والطوارئ والكوارث والرياضة والشباب والسياحة..) إلى جانب تشكيل هيئة سياسية في وزارة الخارجية مسؤولة عن أي نشاط سياسي أو حزبي في سوريا، واكتفت بمنح وزارات هامشية لبعض المكونات كالنقل والتربية والزراعة والشؤون الاجتماعية مع افتراض سيطرة الهيئة عبر إداراتها على هذه الوزارات أيضاً.


يضاف إلى ذلك، تولي الهيئة جميع مناصب المحافظين ومسؤولي المناطق ومعظم الإدارات والنقابات، مع تحييد كافة الخبرات المهنية المهمة في العمل الحكومي في مختلف المجالات ما خلق ضعفاً في الأداء في الوزارات ومفاصل الدولة.


العنف الطائفي


في الوقت الذي تعهدت فيه السلطة عبر كبار مسؤوليها وفي الإعلان الدستوري بضمان حقوق الأقليات والمساواة بين المواطنين، إلاّ أنه ومع أول اختبار جدّي حقيقي لأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية في 8 آذار الماضي عندما تعرضت بعض حواجز الأمن العام لهجوم مما أطلق عليه "فلول النظام" في منطقة جبلة الساحلية، تم إعلان النفير العام والدعوة إلى الجهاد في المساجد وتحت أنظار السلطة، وبناءً عليه تقاطرت حشود المقاتلين من الفصائل المسلحة وتوجهت إلى الساحل وخلال ساعات كان المسلحون المتطرفون يرتكبون المجازر بحق المدنيين على أساس انتمائهم الطائفي، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1600 شخص في غضون يومين معظمهم من المدنيين بينهم أطفال ونساء وتم حرق الممتلكات، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.


وقد أثارت تلك المجازر ردود فعل دولية غاضبة دفعت السلطة إلى الاعتراف بوقوع انتهاكات من قبل جماعات منفلتة وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عنها "حتى ولو كانوا من أقرب المقربين" بحسب تصريح الرئيس أحمد الشرع في تعليقه على الأحداث، وتم تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ولجنة للسلم الأهلي، لكن حتى اليوم لم تخرج اللجنة بأية نتائج وتم تمديد عملها لمدة ثلاثة أشهر إضافية.


وفي ظل هذه الأحداث في الساحل وبعدها، ازدادت وتيرة الاعتقالات والتصفيات للشباب وعمليات الخطف ضد النساء في الساحل رغم وعود السلطة بفرض الأمن ومحاسبة كل من يتجاوز على القانون، مع إصرار السلطة على إنكار حالات الخطف الواسعة من خلال سرديات غير قابلة للتصديق وبالتالي عدم محاسبة مرتكبيها.


ولم تكد تتعافي مناطق الساحل من تداعيات أعمال العنف الطائفي، حتى اندلعت أعمال عنف طائفي جديدة ضد الدروز في محيط العاصمة دمشق في جرمانا وأشرفية صحنايا على خلفية تسجيل صوتي منسوب لأحد أفراد الطائفة يسيء فيه للنبي الكريم محمد، نشر على مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 28 نيسان.


وبدأت أعمال العنف الطائفي من الجامعات (حمص 28 آذار) حيث تم الاعتداء على بعض الطلاب من السويداء وإطلاق التهديدات والشتائم الطائفية، ليتبعها حشود مسلحة ذات صبغة طائفية ضد الأقلية الدرزية في جرمانا وأشرفية صحنايا واندلاع اشتباكات أسفرت عن مقتل نحو 100 شخص من الأطراف، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.


صحيح أن السلطة استفادت من تجربة الساحل في التعامل مع العنف المنفلت وسارعت إلى وقف الاشتباكات، وخسر الأمن العام ضحايا في فض الاشتباكات بين المجموعات المسلحة والفصائل الدرزية المدافعة عن الأحياء في جرمانا وأشرفية صحنايا، لكن شكل المعالجة بقي قاصراً عن مفهوم الدولة وتعاملها مع مواطنيها على قدم المساواة.


فالإرتكابات اليومية التي تمارسها الجماعات المتطرفة المدججة بالسلاح بحق بعض المكونات، تدفع بشكل مباشر إلى النفور من السلطة وتحرّض فئات وشرائح واسعة من المجتمع السوري لرفض سياسات السلطة القائمة، وتهدد بمزيد من الفوضى والعنف والدماء.


ليس هذا فحسب، بل تشكل تلك الممارسات بيئة مناسبة ومبرراً للدول الخارجية للتدخل في الشؤون الداخلية والتحريض على الدولة وعرقلة المرحلة الانتقالية، والأدلة واضحة جداً سواء من إسرائيل أو تركيا وغيرها من الدول.



جيش أم فصائل؟


جاء في إعلان النصر حل الفصائل المسلحة وانضوائها تحت مظلة وزارة الدفاع والداخلية، كما جاء في الإعلان الدستوري في المادة 9 أن: الجيش مؤسسة وطنية محترفة مهمته حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامتها ووحدة أراضيها. بما يتوافق مع سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان، لكن مازالت الوزارتين حكراً على طائفة معينة دون سواها ومازالت الفصائل تتحرك تحت أسمائها قبل النصر، ناهيك عن تعيين قيادات عسكرية عليا في الجيش من جنسيات أجنبية أثارت انتقادات دولية واسعة.


ولم تستطع الدولة حتى اليوم، أن تعطي انطباعاً حقيقياً للمواطنين أنه لديها فعلاً "أمن عام" يمثل الدولة وليس الفصائل، حيث عرضت المنصات الإعلامية ومعرفات المحافظات الرسمية فيديوهات لمسؤولين أمنيين يتحدثون أن مسؤول "الأمن العام" في منطقة جرمانا هو "الشيخ أبو فلان" وليس "الضابط الفلاني".. ما يوحي أننا أمام دولة مازالت تتعامل بمفهوم "تشكيلة هيئة تحرير الشام" التي أُعلن حلها في مؤتمر النصر، وليس مفهوم بنية الدولة المتعارف عليها.


المحاولات الحثيثة التي تقوم بها السلطات الجديدة على المستوى الدولي لإظهار تحول "هيئة تحرير الشام" من منطق الفصيل الجهادي المسلح إلى منطق الدولة والتخلي عن التطرف واعتماد فكر الدولة كما أعلن الرئيس الشرع في أكثر من مناسبة، نجحت نسبياً، إلاّ أن السلطة مازالت ترزح تحت عباءة الفصائل المتطرفة التي تتحاشى حتى اليوم الوقوف في وجهها ومنعها من فرض ايديولوجيتها بقوة السلاح على باقي مكونات الشعب السوري.


ولم تظهر الدولة، خلال الأحداث الأمنية سواء في الساحل أو السويداء فرقاً في الشكل على الأقل بين الأمن العام والجيش وبين الفصائل المسلحة، وليس هناك ما يميّز منتسبي تلك المؤسسات عن غيرهم من الفصائل المنفلتة التي تُتهم دائماً بارتكاب التجاوزات، وبالتالي فإن ثقة المواطنين بتلك المؤسسات التي ينبغي أن تنشر الأمن والطمأنينة، تبقى هشّة.



صراع المصالح الخارجية



لاشك أن القوى الدولية والإقليمية تسعى اليوم لفرض أجنداتها على السلطة السورية الجديدة وفق مصالحها الجيوسياسية، الأمر الذي يضع سلطات دمشق أمام معضلة موازنة الحسابات بين التوازنات الدولية والإقليمية من جهة وبين المصالح الوطنية السورية من جهة ثانية، ولاشك أيضاً أن هذه المعضلة تضع دمشق في مواجهة حساسة وخطيرة لأن تداعيات أي خطأ فيها سوف ينعكس سلباً على الوضع الداخلي من فوضى وعنف، وفي أقل الأحوال استمرار العقوبات لعرقلة الانتقال السياسي بسلاسة.


ومن هنا، يتوجب على السلطة الجديدة التي نجحت إلى حد ما في فتح قنوات التواصل مع القوى الدولية والإقليمية، أن تدرك أن قوتها تنبع من الداخل قبل الخارج، وأن أي انجاز سياسي خارجي قد يتلاشى مع أي خضّة داخلية.


وهذا يستدعي أيضاً وقف الارتكابات التي تمارسها المجموعات المتطرفة والانفتاح في الداخل على مختلف أطياف الشعب السوري من منطلق الشراكة وليس من منطلق المنتصر والمهزوم، من منطلق مفهوم الدولة وليس من مفهوم الفصائل والثورة والأكثرية والغلبة، من أجل تطمين الجميع أنهم شركاء في بناء مستقبل الوطن وليس مجرد رعايا أو أتباع، والاستفادة من مختلف المقدرات ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية وإعادة البناء والأعمار، لتكون سوريا "سنغافورة" كما قال الرئيس الشرع.


التعليقات

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025