أكد رجل الأعمال وعضو غرفة تجارة دمشق السابق، محمد الحلاق، أن اقتصاد الظل ليس ظاهرة سورية فقط، بل هو موجود في جميع دول العالم بنسب متفاوتة. إلا أن ما جرى في سوريا خلال العقود الماضية، خاصة في عهد النظام السابق، فاق المعقول، حيث بات هذا الاقتصاد يُشكّل أكثر من 70% من النشاط الاقتصادي، بحسب تقديرات خبراء.
وأوضح الحلاق في تصريحات لاستديو الأخبار في "هاشتاغ" أن معظم المؤسسات الخاصة الكبرى في سوريا تحتوي على أنشطة غير معلنة، تديرها أطراف خفية، بعيداً عن أعين الدولة والرقابة. هذا النمط من الاقتصاد لا ينعكس على الناتج القومي، ولا يساهم في التشغيل الرسمي، بل يستنزف الموارد دون أن يعيدها للمجتمع.
التهريب: خسائر مزدوجة للاقتصاد والمستهلك
اعتبر الحلاق أن التهريب يشكل تهديداً مزدوجاً، قائلاً: "التهريب يضرب الاقتصاد بشكل مباشر، ويمسّ حياة المستهلك من خلال إدخال بضائع دون رقابة صحية أو جودة، مثل الأدوية والمواد الغذائية غير المطابقة للمواصفات".
وأشار إلى أن الدولة لا تخسر فقط الرسوم الجمركية، بل تتحمل أيضاً تبعات العجز في الميزانية، مضيفاً: "عندما تدخل كميات كبيرة من السكر أو الزيت بطريقة غير شرعية، فإن الدولة تُحمّل العجز الناتج عن غياب الإيرادات الجمركية".
أنواع التهريب وأسباب انتشاره
فرّق الحلاق بين نوعين من التهريب: الأول يشمل المواد غير المحظورة مثل المواد الغذائية والبنزين، لكنها تدخل السوق بطرق غير نظامية. أما النوع الثاني، فيشمل الممنوعات مثل المخدرات والأسلحة.
وأكد أن معالجة هذه الظاهرة تبدأ من جذورها، قائلاً: "بدلاً من معالجة الأسباب، مثل ارتفاع الرسوم أو انعدام فرص العمل، يتم التركيز على النتائج فقط. وهذا يشبه إعطاء مريض فيتامينات بعد تدهور حالته، بدلاً من تقوية مناعته منذ البداية".
الاقتصاد الرسمي طارد.. والبدائل غائبة
أشار الحلاق إلى أن بيئة العمل النظامي في سوريا لا تشجّع على الانخراط فيها، موضحاً: "دخول السوق النظامي يتطلب دفع ضرائب مرهقة، ومصاريف قانونية لا يقدر عليها كثيرون، ما يدفع البعض إلى اللجوء للتهريب كخيار أوفر".
ودعا إلى وضع حوافز تشجّع العاملين على الانتقال من الاقتصاد الموازي إلى الرسمي، عبر تبسيط الإجراءات وتوفير فرص عمل حقيقية.
واستشهد الحلاق بتجربته مع الوقود المهرب، قائلاً: "لاحظت تراجعاً في جودة البنزين الذي اشتريته من مصادر غير رسمية، كما أن الكمية لم تكن دقيقة". وشدّد على أهمية توعية المستهلكين بمخاطر هذه المواد، حتى لو بدت أسعارها مغرية.
ترشيد الاستيراد واحتكار السوق
أوضح الحلاق أن سياسات ترشيد الاستيراد كانت تحمل نوايا جيدة، لكنها طُبّقت بطريقة خاطئة، حيث استُغلت في تبرير احتكار السوق، قائلاً: "تم منع استيراد مواد يحتاجها السوق، والسماح لمصانع لا تغطي سوى 10 أو 20% من الطلب".
وأضاف أن بعض المسؤولين في وزارة المالية وهيئة الضرائب استفادوا من مكافحة التهريب كمصدر دخل شخصي، مشيراً إلى أن نسباً وصلت إلى 10% من قيمة الضبط كانت تذهب إليهم مباشرة.
استيراد السيارات.. فوضى بلا ضوابط
انتقد الحلاق السماح باستيراد السيارات دون شروط واضحة، ما أدى إلى دخول سيارات متهالكة إلى السوق، دون مراعاة للمواصفات الفنية أو سنة الصنع أو حالة المركبة.
ودعا إلى فرض معايير دقيقة تضمن دخول سيارات صالحة للاستخدام، والحد من ظاهرة تحويل السوق السورية إلى مستودع للسيارات المستعملة غير المؤهلة.
الحل يبدأ من التعاون والوضوح
اختتم الحلاق حديثه بالتأكيد على أن الحلول لا تأتي بشعارات عامة، بل عبر وضع قواعد واضحة، وتعاون فعلي بين الدولة والقطاع الخاص. وقال: "لا يمكن تعميم الحلول على كل القطاعات. يجب الاستماع لأصحاب الخبرة، فهم الأقدر على تقديم رؤية تناسب الواقع".