وصل رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، إلى باريس، اليوم الأربعاء، وفق ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، في أول زيارة رسمية له إلى أوروبا، للقاء نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وسيبحث الشرع مع ماكرون عددا من الملفات في مقدمتها إعادة الإعمار وآفاق التعاون الاقتصادي، لا سيما في مجالي الطاقة والطيران، بحسب ما قال مصدر سوري رسمي لوكالة الأنباء الفرنسية، عشية الزيارة.
كذلك، تشمل المباحثات، وفقا للمصدر السوري "ملفات هامة لعل أبرزها التحديات الأمنية التي تواجه الحكومة السورية الجديدة" والقصف الإسرائيلي المتكرر للأراضي السورية، و"العلاقات مع دول الجوار وخصوصا لبنان".
وشدد المصدر على أهمية الزيارة "كونها الأولى لدولة أوروبية" بعد سقوط بشار الأسد "بما يسهم في تطوير العلاقات الخارجية للدولة واستعادة مكانتها".
جس نبض
لكن هذه الزيارة أثارت جدلا واسعا في الداخل الفرنسي، حيث سارعت أطياف مختلفة من الساحة السياسية إلى التعبير عن استنكارها، معتبرة أنه من المستفز أن يستقبل رئيس منتخب ديمقراطيا في دولة ديمقراطية جهاديا سابق، وفق تعبيرهم.
في المقابل، يؤكد مقربون من ماكرون أنه سيتم البحث في عدة ملفات، في مقدمتها إعادة الإعمار وآفاق التعاون الاقتصادي ورفع العقوبات الأوروبية. لكن في الوقت نفسه، ستشكل الزيارة فرصة لفرنسا لإعادة التأكيد على ضرورة إشراك جميع الأقليات السورية في الحكم، وكذلك الحفاظ على حقوقهم وحرياتهم الشخصية والدينية.
وبحسب تقرير "مونت كارلو"، فإن توقيت الزيارة يعتبر حساسا، إذ تأتي بعد عدة أحداث مقلقة شهدتها البلاد، من أحداث الساحل في آذار/مارس الماضي التي أسفرت عن مقتل أكثر من 1700 شخص من الطائفة العلوية، إضافة إلى الاشتباكات التي شهدتها المناطق ذات الأغلبية الدرزية الأسبوع الماضي، وحوادث أخرى أثارت الجدل والغضب، وآخرها مقتل شابة في ملهى ليلي يوم الاثنين 5 آيار/مايو على يد مسلحين مجهولين.
من جهته، أيد إكزافييه برتراند الوزير السابق والشخصية الهامة في حزب "الجمهوريون" الفرنسي، ماكرون في استقباله للشرع، قائلا "كنت سأقابل الرئيس السوري، والذين ينتقدون إيمانويل ماكرون لا يفهمون شيئا عن دور رئيس الدولة". وأضاف: "يجب على دولة عظيمة مثل فرنسا أن تكون قادرة على التحدث مع جميع الأطراف، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسلام والامن".
وفي هذا الصدد، قال سيدريك لابروس، المحلل السياسي الفرنسي المختص في الشؤون السورية، في حديثه لإذاعة فرنسا الدولية، إن باريس مدركة للواقع وللوضع الحالي، وكونها أول حكومة أوروبية تستقبله لا ينبع من فراغ.
وأضاف: فرنسا تريد وتعرف كيف "يتم جس النبض"، مشيرا ألى أن الغرض الأساسي من هذه الخطوة هو استكشاف شخصية هذا الرجل أو بالأحرى "جس نبضه"
وأوضح لابروس: كثيرا ما نسمع عن الشرع، لكننا لا نلتقيه. لقد التقينا بوزير خارجيته، ونعرف ممثليه الدبلوماسيين، ونتابع تصريحاته داخل سوريا، لكن في الغرب، لا أحد يعرفه عن قرب. وفي سياق سياسي تتجسد فيه السلطة في شخص واحد، كما هو الحال مجددا في سوريا، من الضروري أن ندرك من هو هذا الشخص فعلا
ولهذا، فإن الهدف من هذه الزيارة هو التعرف عليه بشكل مباشر، بعيدا عن وسائل الإعلام أو خطابه السياسي الذاتي
كما رأى مراقبون آخرون أنه لن يترتب عن هذه الزيارة توقيع معاهدات أو اتفاقيات كبرى، ولا إعلانات رسمية، أي بمعنى آخر، لن تفضي إلى أي قرار أو خطوة رسمية قد تقيد فرنسا أو أوروبا بأي التزام مع سلطة الأمر الواقع في سوريا.
وفي نفس السياق، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، في حديثه لقناة "تي إف1" التلفزيونية الفرنسية يوم الأربعاء "نحن لا نكتب شيكا على بياض، وسنحكم عليه بناء على أفعاله".
علاقات تاريخية.. لماذا فرنسا؟
زيارة الشرع تصدرت مواضيع الصحف الغربية، وخاصة الفرنسية، منذ إعلان الإليزيه عنها، حيث رأت بعض الصحف أن "الاختيار" وقع على فرنسا بشكل طبيعي، ربما لأن "عدم وجود اختيارات أخرى" كان العامل الرئيسي. فالبلاد كانت القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة، وتعد خيارا طبيعيا لأول زيارة غربية للشرع.
كما أن باريس تملك علاقات تاريخية مع كل من لبنان وسوريا، بالإضافة إلى مصالح كبيرة في المنطقة.
ويذكر أن فرنسا قطعت علاقاتها مع نظام بشار الأسد في عام 2012، وواصلت دعم المعارضة بشكل كبير، حيث استقبلت بعضا من أفرادها. كما دعمت القوات الكردية في شمال شرق سوريا، ولعبت دور الوسيط بين القوات الكردية والشرع في الأشهر القليلة الماضية..
أما آخرون، فيرون أن الاتحاد الأوروبي، ممثلا في فرنسا، يتحرك لتعزيز مصالحه في المنطقة من منطلق أن روسيا "لا تتردد في فعل ذلك مع سوريا"، بدءا من عقود لتوريد الغاز والنفط والحبوب. إذ لا يجب التغافل عن المركز الاقتصادي الذي يمكن أن تتمتع به دمشق وحتى عقود إعادة إعمار سوريا، ويبدو أن الدبلوماسية الروسية تدرك ذلك جيدا.