سامر العطار
تحت قناعٍ تقني يرفع شعار "سلامة الشواطئ"، ظهر القرار 294 من وزارة السياحة السورية في التاسع من حزيران 2025 كموجة مفاجئة؛ فلم يكتفِ النص المختبئ تحت العنوان الرتيب بوضع قيود أمنية، بل انزلق بقبضة ناعمة نحو شواطئ الذوق العام!
هنا تتحول لوائح "السلامة والأمان" إلى إزميلٍ خفيٍّ يُعيد نحت ملامح المجتمع، فمن قماشة المايوه على أجساد السوريين، إلى مقاييس غامضة للآداب تنبش رمال القيم القديمة.
فجأةً، يصير "البكيني" جريمةً يعاقب عليها القانون، و" البوركيني" زيا قوميا مُلزَما! كل هذا تحت عباءة "الذوق العام"، ذلك الوحش الخفي الذي يطارده الجميع، لكن لا أحد يعرف شكله!
من "نصائح الجدة" إلى هندسة الفضيلة
يبدأ القرار بلطفٍ مُخادع: "لا تسبحوا بعد الأكل!" ، "احذروا التيارات!" – كأنه كتيب إرشادات من زمن الطفولة. لكن المادة الثانية تنقضُّ كإعصار مفاجئ، محوِّلةً "حارس الشاطئ" إلى "مصمم أخلاقي" بصلاحيات غير محدودة! فجأةً، يصير "البكيني" جريمةً يعاقب عليها القانون، و"صدر الرجل العاري" خارج الماء عارا وطنيا، و" البوركيني" زيا قوميا مُلزَما! كل هذا تحت عباءة "الذوق العام"، ذلك الوحش الخفي الذي يطارده الجميع، لكن لا أحد يعرف شكله!
الرسالة واضحة: "الذوق الفاضل" للفقراء، و"الذوق الحر" لأصحاب المحافظ الممتلئة!
شواطئ بمواصفتين: أخلاق الـVIP وأخلاق "العامة" !
المادة الثالثة تزعُم "احترام التنوع" ، لكنها موجهة نحو الفجوة الاجتماعية، ففي المنتجعات السياحية الفاخرة، يُباح "ما يخدش الحياء" (بمعايير القرار!) للأجانب والأثرياء، بينما يُمنع على العامة حتى كشف الكتفين! كأنما الأخلاق سلعةٌ فاخرة تُباع بالدولار، فهناك:
– شاطئ النخبة: "مايوهات فرنسية، كوكتيلات، وحرية مُصدَّرة!"
– شاطئ الشعب: "بوركيني، شاي زعتر، ورقابة ذاتية!"
والرسالة واضحة: "الذوق الفاضل" للفقراء، و"الذوق الحر" لأصحاب المحافظ الممتلئة!
السخرية تكمن في تحويل الشاطئ إلى "مختبر هندسة اجتماعية"، حيث تُختبر أزياء السباحة بدقة أكبر من فحص مياه البحر الملوثة!
لغز "لجنة الذوق" : الكائن الذي لم يره أحد!
أين مقر "الهيئة العليا للذوق العام" ؟ من هم أعضاؤها؟ هل يُقاس الذوق بشريط الخياطة أم بمنظار الأمن؟ الأكيد أن" شرطي الأخلاق" الجديد يحمل ميزتين، فهو:
– لا يحتاج لمرجعية قانونية (يكفيه "شعور المجتمع" الذي لم يؤخذ رأيه!).
– يتحول إلى "ساحر" يخلق الجرائم من العدم؛ فما كان عاديا بالأمس يصير اليوم "تهديدا للقيم" !
والسخرية تكمن في تحويل الشاطئ إلى "مختبر هندسة اجتماعية"، حيث تُختبر أزياء السباحة بدقة أكبر من فحص مياه البحر الملوثة!
ليس الخطر في منع "البكيني" ، بل في تحويل الإنسان إلى "دُمية بملابس رسمية"! فالقرار يصنع "مواطنا منزوع الإرادة".
صناعة" المواطن المعلَّب" : دليل التشغيل الجديد!
ليس الخطر في منع "البكيني" ، بل في تحويل الإنسان إلى "دُمية بملابس رسمية"! فالقرار يصنع "مواطنا منزوع الإرادة" :
– حريته مطابقة للمساحة بين أذنيه وقبعة السباحة!
– وطنيته تعادل طاعته لـ"لجنة المراقبة" التي تراقب حتى ظلال الأجساد!
والمفارقة؟ بينما تنهار البنى التحتية، تُنشأ" وزارة افتراضية للآداب البحرية" ! وكأن الدولة تقول "لا نستطيع إصلاح أنابيب الصرف الصحي، لكننا نصلح أخلاق الصدر العاري!".
المشهد السوري الجديد يظهر في شواطئ تُحرس بالكاميرات، وشعب يسبح في بحر من التناقضات، فجسده مغطى، وأمنه وجوعه عارٍ!
مشروع “سوريا الأخلاقية”: البراند الجديد للأنقاض!
في بلدٍ يُدفن أطفاله تحت الركام، تعلن الوزارة أن "البكيني" هو العدو الأول للوطن! السخرية السوداء تتجلى حين تُفتَّش الأجساد على الشاطئ بدقة أكبر من تفتيش شاحنات الإغاثة، وتُنفق الدولة على" مراقبي الأخلاق" بينما المستشفيات تبحث عن القطن الطبي!
المشهد السوري الجديد يظهر في شواطئ تُحرس بالكاميرات، وشعب يسبح في بحر من التناقضات، فجسده مغطى، وأمنه وجوعه عارٍ!
حروب المايوه: الجبهة الأخيرة لـ"الدولة الحاضنة" !
القرار ليس مجرد لائحة سياحية، بل هو" بيان احتلال ثقافي" :
1. احتكار الفضيلة: تحويل الأخلاق إلى سلاح ضد التنوع ("كل من يخالف ذوقنا خائن!”).
2. أخلاق الكراهية: تغطية الجسد باسم" الاحترام"، بينما يُنتهك كرامة الإنسان يوميا!
3. الانفصام الرسمي: الدولة" الجديدة" تتبنى خطابا دينيا متطرفا حين يناسبها، وتتجاهله حين يعيق مصالح النخبة!
العبارة الأكثر سخرية في القرار؟ "احترام مشاعر المجتمع" في بلدٍ سُحقت مشاعر أبنائه من الانهيار الأمني.
الشاطئ كمختبر للتجارب السلطوية
هذا القرار الصغير يكشف الأوهام الكبيرة، فالوهم الأول يظهر في "الانضباط الأخلاقي" الذي يعوّض انهيار السيادة الوطنية، والثاني أن تغطية الأجساد تُغطي عورات غياب السياسات العامة خصوصا في مجال أمن المواطن.
الحقيقة المرة هي أن الشاطئ صار مرآةً لمجتمعٍ حيث تُحرس رماله أكثر من حدود بلاده، وتُقاس أخلاقه بسنتمترات القماش، لا بمبادئ العدالة، والعبارة الأكثر سخرية في القرار؟ "احترام مشاعر المجتمع" في بلدٍ سُحقت مشاعر أبنائه من الانهيار الأمني.