هاشتاغ- خاص
ربما لم يتفاجأ الكثير من السوريين ومعهم مراقبين دوليين بالهجوم الإرهابي الجبان على المصلين في كنيسة "مار إلياس" على أطراف العاصمة السورية دمشق، فقد كانت مؤشرات التفجير واضحة لمن يريد أن يقرأ، وأصوات النشاز الطائفي التي ارتفعت في أكثر من مكان في البلاد كانت دليلاً كافياً لاتخاذ إجراءات احترازية استباقية.
قبل شهرين أو أكثر نصحت الولايات المتحدة ومعها عدة دول أوروبية مواطنيها بعدم السفر إلى سوريا محذرة من احتمال وقوع هجمات إرهابية في أماكن عامة مكتظة بالناس، وبالفعل أحبطت السلطات السورية هجوماً وشيكاً لتنظيم "داعش" على مقام السيدة زينب بريف دمشق وقامت القوى الأمنية بمداهمة أوكار لخلايا مرتبطة بتنظيم داعش في حلب وريف دمشق قيل يومها أنها كانت تخطط لتنفيذ هجمات إرهابية.
لكن رغم ذلك، كانت أجواء الشحن الطائفي ضد مكونات سورية بعينها من علويين وأكراد ودروز تزداد بسبب ومن غير سبب، وما حصل في جرمانا في أعقاب انتشار تسجيل صوتي يهاجم النبي محمد، دق جرس الإنذار حول انسياق مجموعات مسلحة خلف موجات التحريض وربما قيادتها ضد أخوتهم في الوطن لمجرد الشبهة.
وكان واضحا أن التغاضي عن الأصوات الطائفية المقيتة التي انطلقت في تحركات على شكل مظاهرات في عدة مناطق سورية، وكذلك التساهل وعدم محاسبة مطلقي دعوات التطهير العرقي بحق بعض المكونات السورية سواء على الأرض أم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قد تكون أفسحت المجال لأصحاب الفكر التكفيري للتحشيد والتخطيط لتنفيذ هجمات ضد المدنيين الأبرياء من مكونات سورية عدة.
قد يكون الإرهابي منتمياً لتنظيم "داعش" كما رجّحت وزارة الداخلية في بيانها الأولي، أو ربما لأي تنظيم تكفيري آخر موجود على الساحة السورية، لكن الأخطر من ذلك هو مباركة العديد من الصفحات والشخصيات الجهادية والدينية للعملية الإرهابية على أنها "استشهادية" ناهيك عن تكرار عبارات التكفير والتهديد التي بدأت تنتشر على جدران بعض الكنائس في محافظة حماه تحت عنوان "جاييكم الدور".
سيل الإدانات المحلية والدولية لهذه العملية الإرهابية البشعة، دليل على استشعار مخاطر الهجوم على السلم الأهلي في سوريا وتداعياته في الإقليم والعالم، كونه لا يأتي منعزلاً عن سياقات فكرية وأيديولوجية متطرفة بدأت تطفو بقوة في سوريا لتحارب وتقتل كل مختلف فكرياً أو عقائدياً أو دينياً.
البيانات التي أصدرها تنظيم "داعش" الإرهابي في أعقاب تولي القيادة الجديدة السلطة في دمشق وكذلك تهديدات تنظيم "أنصار السنة" الذي بدأ ينشط مؤخراً ويصدر بيانات عن عمليات يتم تنفيذها في الساحل وحمص وغيرها، ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد وأن يتم التعامل مع الخطاب الطائفي بحزم.
الدولة السورية اليوم أمام اختبار خطير، جراء تغلغل العناصر التكفيرية في مختلف أرجاء البلاد مستفيدة من حالة الفوضى التي رافقت سقوط النظام وما تلاه من فوضى السلاح والتسلح والتنظيم والانتشار والتخفي تحت لباس الفصائل العسكرية التي استولت على السلطة.
الدولة السورية بسلطاتها كافة اليوم هي المتضرر الأكبر من هذا النوع من التفجيرات الإرهابية، وهي المتضرر الأكبر من حملة السلاح من أصحاب الفكر التفكيري، وهي صاحبة المصلحة الأولى في القضاء على هذه الظاهرة، وهي الأقدر على مواجهتها ومحاربتها بكل قنواتها ومؤسساتها.
لذلك لابد من خطوات ملموسة لجهة تجريم وتحريم الخطاب الطائفي والفكر المتطرف من أي منصة كانت، دينية أم اجتماعية أم إعلامية، وأن تتم ملاحقة خلايا التنظيمات الإرهابية أينما وجدت، وفرض الأمن والاستقرار في البلاد التي عاشت على جمر التفجيرات والقتل أكثر من عقد ونصف.
لا خلاص لسوريا سوى بتكاتف جهود جميع أبنائها بمختلف مكوناتهم وبمشاركتهم في إعادة بناء بلدهم على أسس المواطنة والحقوق المتساوية والحريات الدينية والمساواة أمام القانون الضامن والحامي للجميع.
كانت أجواء الشحن الطائفي ضد مكونات سورية بعينها تدق جرس الإنذار حول انسياق مجموعات مسلحة خلف موجات التحريض وربما قيادتها ضد أخوتهم في الوطن لمجرد الشبهة.