هاشتاغ- خاص
لم تكد تخمد أصوات الصواريخ في حرب الـ 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، حتى ظهرت لوحات إعلانية ضخمة في تل أبيب تحمل عنوان "تحالف أبراهام.. حان الوقت لشرق أوسط جديد" تحمل صوراً لقادة الدول العربية التي انضمت سابقاً لاتفاقيات السلام الإبراهيمي والدول المرشحة للانضمام للتحالف بعد التحولات الجذرية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال عام ونصف منذ الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
اللافت في اللوحة الإعلانية التي تتوسطها صورة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دخول صورة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى المشهد مع كل من الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية والرئيس اللبناني جوزيف عون.
الحملة الإعلامية التي يقودها "تحالف الأمن الإقليمي"، الذي يضم أكثر من 100 مسؤول إسرائيلي وتم إطلاقها مؤخراً، تتماشى مع السياسة التي أعلنها نتنياهو مراراً في أعقاب هجوم حماس 7 تشرين الأول بأنه سيعمل على تغيير خريطة الشرق الأوسط وإعادة رسمها بما يخدم مصلحة "إسرائيل".
نتنياهو.. نحن نغّير الشرق الأوسط بالفعل
وقال نتنياهو مؤخراً "قبل عام قلت إننا سنغير الشرق الأوسط ونحن نغيّره بالفعل.. سوريا ليست سوريا نفسها، ولبنان ليس لبنان نفسه، وغزة ليست غزة نفسها، ورأس المحور إيران، ليست إيران نفسها".
وتجسّد اللوحة الإعلانية التي تهدف بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإٍسرائيلية إلى الترويج لفكرة الاستفادة من النجاح العسكري الإسرائيلي الأخير ضد إيران لإنشاء شرق أوسط جديد من خلال توسيع اتفاقيات أبراهام، رؤية نتنياهو لهذا الشرق الأوسط الجديد.
وبدأت "اتفاقات أبراهام" للسلام في سبتمبر/أيلول 2020 في البيت الأبيض من قِبَل الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وانضمت إليها فيما بعد كل من المغرب والسودان، وفيما كانت المحادثات مع المملكة العربية السعودية قد أحرزت تقدماً، توقفت العملية بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لكن بعد مايزيد عن عام ونصف من الحرب متعددة الجبهات التي قادتها تل أبيب وأدت إلى إضعاف حماس وحزب الله وتغيير النظام في سوريا وتوجيه ضربة عسكرية لإيران، عادت الدعوات، ولا سيما من الولايات المتحدة ، إلى توسيع "اتفاقيات أبراهام" للظهور.
وفي منتصف شهر أيار الماضي حثّ الرئيس ترامب خلال لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض على الانضمام إلى السلام مع "إسرائيل" فيما صرح المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط "ستيف ويتكوف" قبل أيام بأنه يتوقع "إعلانات مهمة" قريباً بخصوص قطار التطبيع ا
لعربي مع "إسرائيل".
ويتكوف وقطار التطبيع
في الوقت الذي كانت فيه طهران تضمّد جراحها جراء الضربات الجوية التي شنتها إسرائيل وختمتها واشنطن بضرب مفاعلاتها النووية الثلاث، كان المبعوث ويتكوف يعلن عن مساعي إلى اتفاق سلام مع إيران، مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع تخصيب اليورانيوم الإيراني.
وفي حديث لشبكة CNBC، قال ويتكوف إن توسيع نطاق الاتفاقيات لا يزال أحد "الأهداف الرئيسية" للرئيس ترامب، وأن فريقه، إلى جانب وزير الخارجية ماركو روبيو ووزارة الخارجية، يسعون جاهدين لتحقيق هذه السياسة.
وقال: "نعتقد أننا سنصدر إعلانات مهمة جداً بشأن الدول التي ستنضم إلى "اتفاقيات أبراهام" للسلام. نأمل في تطبيع العلاقات مع مجموعة من الدول التي ربما لم يكن أحد ليتخيل انضمامها".
وبالتزامن أيضاً كان السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث إلى سوريا ولبنان توماس باراك، يقول للمسؤولين اللبنانيين إن "قطار اتفاقيات أبراهام يتحرك بسرعة - خاصة في سوريا، وهي منفتحة على الحلول - ويجب ألا يُترك لبنان خلف الركب".
وبحسب "يديعوت أحرونوت" فإن باراك أعرب للمسؤولين اللبنانيين عن رغبة واشنطن في رؤية "تواصل أفضل بين دمشق وتل أبيب"، وأن "يتعلم لبنان من هذا، ويتجنب الصراعات، ويحصل على مساعدات دولية
للتعافي الاقتصادي".
حان وقت التغيير.. لماذا الآن؟
وتنقل الصحافة العبرية عن "ليان بولاك ديفيد"، وهي أحد المؤسسين في تحالف الأمن الإقليمي الذي أطلق حملة اللوحات الإعلانية قولها: "هذه هي جولتنا الثالثة من حملات اللوحات الإعلانية. رسالتنا هي أنه قد حان الوقت لترجمة الإنجازات العسكرية الإسرائيلية - وخاصة الضربة الأخيرة على إيران - إلى جهد دبلوماسي جريء لتوحيد الأطراف المعتدلة في المنطقة بموجب اتفاقيات أبراهام".
وتضيف: "يشهد لبنان وسوريا تحولات جذرية. حتى غزة قد تتغير إذا أنهت الحكومة الإسرائيلية الحرب. لقد تلقّى البرنامج النووي الإيراني ضربة موجعة. الآن هو الوقت المناسب لبناء تحالف سياسي".
واعتبرت بولاك-ديفيد أن الطريق إلى الأمام في حل "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" يكمن في سياق إقليمي وأن الدول العربية تريد ذلك. و"الخطوة الأكثر إلحاحاً هي إغلاق جبهة غزة، وإعادة الرهائن، وتشكيل حكومة تكنوقراطية مدعومة دولياً لإعادة الإعمار، ونزع
سلاح غزة".
سوريا اليوم ليست سوريا الأمس
أعلنت الإدارة الجديدة في دمشق منذ توليها السلطة في البلاد أنها ليست في وارد العداء مع أي دولة بما فيها إسرائيل، وبالتزامن مع الغارات الجوية الإسرائيلية المتلاحقة ضد مستودعات الأسلحة والمطارات العسكرية السورية، والتوغلات في المنطقة المنزوعة السلاح واحتلالها، أقرت الحكومة السورية وعلى لسان الشرع بوجود مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لخفض التصعيد ووقف الانتهاكات والعودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974.
وبحسب صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، أثار إدراج صورة رئيس سوريا في اللوحة الإعلانية التي تروج للشرق الأوسط الجديد دهشة الإسرائيليين، لكن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، أعلن أمام لجنة في الكنيست هذا الأسبوع بأن إسرائيل تُجري "حواراً يومياً مباشراً على جميع المستويات" مع سوريا، ووصفها بأنها مرشحة للانضمام إلى الاتفاقيات.
صحيح أن سوريا ولبنان وعُمان لم تنضم بعد إلى قطار التطبيع، لكن خطة نتياهو لخارطة جديدة للشرق الأوسط يبدو أنها تسير بخطوات ثابتة مستفيدة من الزخم العسكري الذي حققته الحرب الإسرائيلية مدعومة بسياسة أمريكية راسخة بدعم تل أبيب وفرض خياراتها على محيطها الإقليمي سواء بالحرب أم بالسلام.
فمن لم يركب قطار التطبيع راغباً سوف يضطر إلى ركوب العربات الخلفية للقطار مرغماً، بعد أن فقدت المنطقة عناصر قوتها وممانعتها التي وقفت حجر عثرة في طريق الهيمنة الإسرائيلية على الشرق الأوسط الجديد تحت شعار "محور المقاومة".
لاشروط للتطبيع بعد اليوم
منذ إطلاق المبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط في قمة بيروت عام 2002 بمبادرة من المملكة العربية السعودية، كان شرط العرب للتطبيع مع "إسرائيل" هو إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
لكن اليوم يبدو أن التطبيع يسير بعيداً عن مسار الحل العربي المقترح بشأن القضية الفلسطينية، لاسيما بعد الضربات التي تلقتها حماس في قطاع غزة و حزب الله في لبنان وتغيير النظام في سوريا، وطرح الرئيس ترامب نقل سكان غزة إلى مناطق خارج فلسطين وتحويل القطاع إلى منطقة استثمار دولية.