هاشتاغ: متابعة
بالرغم من الطابع السياسي لزيارة رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة بصفتها المشاركة الأولى لرئيس سوري منذ عام 1967، فإنّ الأجندة الاقتصادية تتصدر اللقاءات والتصريحات التي أطلقها منذ وصوله إلى الأراضي الأمريكية.
في زيارة هي الأولى لرئيس سوري في خمسة عقود إلى الولايات المتحدة، سعى الرئيس الشرع إلى كسر العزلة السياسية التي فرضت على البلاد منذ عقود وفتح صفحة جديدة مع الغرب والولايات المتحدة خصوصاً، لكن البعد الأبرز لهذه الجولة هو السعي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا بموجب "قانون قيصر" لعام 2019، والذي شكّل لسنوات أداة ضغط أساسية على النظام السابق برئاسة بشار الأسد، قبل سقوطه في ديسمبر/كانون الأول 2024.
"لدينا مهمة كبيرة لبناء الاقتصاد، السوريون يحبون العمل، وهذا أمر متأصل في جيناتهم. فقط ارفعوا العقوبات وستشاهدون النتائج"،
نداء لرفع العقوبات
في حوار مع ديفيد بترايوس، مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق في قمة كونكورديا في نيويورك، جدد الرئيس الشرع دعوته واشنطن إلى رفع العقوبات، عادّاً أن استمرارها لم يعد له ما يبرره بعد سقوط النظام السابق.
وقال الشرع: "لدينا مهمة كبيرة لبناء الاقتصاد، السوريون يحبون العمل، وهذا أمر متأصل في جيناتهم. فقط ارفعوا العقوبات وستشاهدون النتائج"،
تصريحاته تأتي بعد خطوات تمهيدية أجرتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي رفع جزءاً كبيراً من العقوبات في مايو/أيار الماضي عقب لقائه الشرع في الرياض، لكن العقوبات المرتبطة بقانون قيصر بقيت قائمة، ريثما يقرر الكونغرس إلغاء القانون أو تعديله.
على جدول أعمال نيويورك
في أثناء زيارته، عقد الشرع سلسلة لقاءات لافتة، شملت وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو وعدداً من المشرعين، إلى جانب مشاركته في قمة "كونكورديا". كما التقى الجالية السورية في الولايات المتحدة، بمن فيهم أفراد من أصول يهودية أعلن بعضهم تبرعات مالية لدعم إعادة إعمار سوريا، في مشهد رمزي حمل دلالات على سعي دمشق الجديدة إلى خطاب جامع يتجاوز الانقسامات القديمة.
ومن المتوقع أن تكون ذروة الزيارة خطاب الشرع أمام الجمعية العامة؛ إذ إنه سيعرض رؤيته لإنهاء عزلة سوريا وإطلاق خطة اقتصادية لإعادة الإعمار.
بعض المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أبدوا استعدادهم للنظر في تعديل أو إلغاء "قانون قيصر"
التحديات السياسية والإنسانية
لكن رفع العقوبات ليس أمراً محسوماً؛ إذ إنه يظل رهناً بنقاشات معقدة داخل الكونغرس الأمريكي. بعض المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أبدوا استعدادهم للنظر في تعديل أو إلغاء "قانون قيصر" بتضمينه في مشروع قانون الدفاع الوطني المتوقع إقراره نهاية العام. غير أن معارضين آخرين يرون أن رفع العقوبات قد يسبق الأوان، وأن على دمشق الجديدة إثبات التزامها الإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان.
إلى جانب ذلك، تواجه الحكومة السورية تحديات ضخمة في إعادة دمج ملايين النازحين، وإعادة تأهيل المناطق المدمرة، والتعامل مع آثار عقود من الاستبداد والحرب.
استمرار العقوبات يعادل "التواطؤ في قتل الشعب السوري من جديد"
رسائل الشرع للعالم
في مقابلة مع شبكة "سي بي إس"، حرص الرئيس السوري على توجيه رسالة واضحة: أن استمرار العقوبات يعادل "التواطؤ في قتل الشعب السوري من جديد"، داعياً المجتمع الدولي إلى منح بلاده "فرصة جديدة للحياة والبناء".
كما أبدى انفتاحاً على الحوار مع جميع الأطراف، بمن فيهم إسرائيل، التي تجري معها دمشق محادثات أمنية غير مسبوقة تهدف إلى وقف الغارات وانسحاب القوات من الجنوب السوري. وهذا يظهر رغبة الشرع في اعتماد مقاربة براغماتية تستند إلى المصلحة الوطنية السورية بعيداً عن أيديولوجيات النظام السابق.
الأبعاد الاقتصادية: من الانكماش إلى فرص الإعمار
يدرك الرئيس الشرع أن المعركة الأصعب أمام حكومته اقتصادية. فقد خرجت سوريا من حرب أهلية دامت 14 عاماً بانكماش اقتصادي تجاوز 85% من مستويات ما قبل 2011. وتشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تتراوح بين 250 و400 مليار دولار، وهو رقم يفوق قدرات الدولة على تمويله ذاتياً.
في هذا السياق، يشدد الشرع على أن رفع العقوبات يشكل شرطاً أساسياً لإعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي العالمي، وقد بدأت بالفعل خطوات عملية في هذا الاتجاه، مثل توقيع البنك المركزي السوري مذكرة تفاهم مع شركة "ماستركارد" لإعادة إدخال أنظمة الدفع الإلكتروني إلى البلاد، بعد توقف دام أكثر من عقد بسبب العقوبات.
نحو مرحلة جديدة
زيارة الرئيس الشرع نيويورك تظهر بداية مرحلة فارقة في تاريخ سوريا المعاصر: من دولة محاصرة ومعزولة إلى بلد يسعى لإعادة بناء مؤسساته والانفتاح على العالم. غير أن رفع العقوبات سيبقى الاختبار الأصعب أمام القيادة الجديدة، فهو البوابة الضرورية لعودة الاقتصاد السوري إلى الحياة، وجذب الاستثمارات، واستعادة ثقة المجتمع الدولي. وبين التحديات والفرص، يوجّه الشرع رسالته الواضحة: "أعطوا سوريا فرصة جديدة، وستكون النتائج شاهدة على التغيير".


