هاشتاغ: متابعة
ينقسم المشرعون الأمريكيون بين داعمين ورافضين لإلغاء "قانون قيصر" لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019، وهو نظام عقوبات وُضع لخنق الدعم لنظام بشار الأسد، وأُعيد استخدامه أسلوبا لاختبار مدي التزام نظام رئيس المرحلة الانتقالية في البلاد، أحمد الشرع، بالمعايير الدولية والديمقراطية وحماية الأقليات.
وفي قلب هذه العاصفة، يقع قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) للسنة المالية 2026، وهو مسودة الدفاع السنوية التي يُلزم الكونغرس بإقرارها، والتي أصبحت الآن ساحة معركة حل توجهات السياسة الأمريكية تجاه سوريا. وتتضمن نسخة مجلس الشيوخ، التي قدّمها عضوا لجنة العلاقات الخارجية البارزان، السيناتوران جيم ريش وجين شاهين، إلغاء واضحا لقانون قيصر، مُجادلين بأن مهمة القانون في عهد الأسد قد انتهت، وهو الآن يُخنق الاستثمار الضروري للاستقرار في سوريا.
يتطلب ضمانات صارمة لحماية الأقليات (العلويون والدروز والمسيحيون والأكراد) التي عانت موجات عنف خطيرة بعد سقوط الأسد
مؤيدون ورافضون
المؤيدون لإلغاء القانون، ومنهم السيناتورة جوني إرنست - التي شاركت في رعاية "قانون قيصر"، وقامت في آب/أغسطس بزيارة إلى دمشق مع وفد يضم مشرّعين من الحزبين - يساندون إلغاء القانون على أنه "سياسة واقعية براغماتية"، وفرصة لترسيخ النفوذ الأمريكي في سوريا في وجه النفوذ الإيراني والروسي والصيني والتركي المتنامي.
في المقابل، يحذّر جمهوريون، مثل النائب مايك لولر، رئيس اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، بالتسرع في تبرئة المتهمين، محذّرين من أن جذور أحمد الشرع في "هيئة تحرير الشام" تتطلب ضمانات صارمة لحماية الأقليات (العلويون والدروز والمسيحيون والأكراد) التي عانت موجات عنف خطيرة في سوريا بعد سقوط الأسد.
ويحاول النائب لولر ربط تخفيف العقوبات بـ "خطوات قابلة للتحقق" في مجال الحرية الدينية، وهي ثغرة انتقدها بشدة في رسالة إلى الرابطة العلوية في الولايات المتحدة، قائلا: "يجب أن توضح سياساتنا أن احترام الحرية الدينية ليس اختياريا".
ويؤيد ديمقراطيون، مثل النائب براد شيرمان، هذا الرأي، مستشهدين بتفجير كنيسة روم أرثوذكس في دمشق في حزيران/يونيو، وهجوم السويداء في تموز/يوليو، بوصفهما نذيرا لحكم الأغلبية. وقال النائب شيرمان في جلسة استماع عُقدت في تموز/يوليو الماضي: "لا يمكننا توقع الكمال، لكننا نتطلع أيضا إلى حكومة كان يجب أن تبذل قصارى جهدها لمنع إعدام سبعة دروز، بينهم مواطن أمريكي".
ينصح خبراء بإبقاء إلغاء عقوبات "قانون قيصر" رهينة باتخاذ خطوات بارزة مثل حماية الأقليات واتفاقيات مكافحة الإرهاب
سلاح ذو حدين
يعكس هذا التشكك الحزبي في الكونغرس إجماعا تحليليا في مراكز الأبحاث الأمريكية، التي ترى أن إلغاء عقوبات "قانون قيصر" يعدّ سلاحا ذا حدين، إذ يُقدم شريان حياة اقتصاديا لسوريا، لكنه يُخاطر باحتضان "سابق لأوانه" لنظام لم يُختبر بعد.
وينصح خبراء "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، بإبقاء إلغاء عقوبات "قانون قيصر" رهينة باتخاذ خطوات بارزة، مثل حماية الأقليات واتفاقيات مكافحة الإرهاب.
ويدعو أندرو تابلر، المتخصص في الشؤون السورية بمعهد واشنطن، إلى رفع العقوبات الشاملة لاستقطاب مليارات إعادة الإعمار الخليجية، مع الاحتفاظ بأدوات "ذكية" للمساءلة، خشية أن ينحرف ائتلاف الشرع ذو الأغلبية السنية نحو الطائفية التي يتعهد بتجاوزها، وفق تعبيره.
ابتزاز سياسي وضمان التزامات سرية قطعها الشرع في لقاءاته مع مسؤولين أمريكيين
ابتزاز سياسي
إلى ذلك، نقلت "سكاي نيوز عربية" عن محلل الشؤون الأمريكية موفق حرب، قوله إن بقاء "قانون قيصر" يعكس تمسك واشنطن بورقة ضغط فعالة تستخدمها متى شاءت.
ووفق حرب، هناك قناعة لدى بعض دوائر القرار في واشنطن بأن التعامل مع الشرع وحكومته يخدم هدفا استراتيجيا مباشرا: "احتواء جبهة النصرة، التي تحولت إلى سلطة أمر واقع في دمشق"، على حد وصفه.
المسار الحالي، وفق حرب، يقوم على "التخفيف التدريجي" للعقوبات مقابل خطوات محدودة من جانب دمشق. لكن إبقاء جزء من العقوبات يرتبط بحسابات أبعد: "ابتزاز سياسي، وضمان التزامات سرية قطعها الشرع في لقاءاته مع مسؤولين أمريكيين، وربما استخدام العقوبات كأداة لدفع دمشق نحو خطوات في الملف الإسرائيلي".
وبحسب حرب، الملف الإسرائيلي يبقى حجر عثرة أمام أي انفراج كامل في علاقة واشنطن بدمشق.
حتى الآن، يصف حرب الموقف الإسرائيلي بأنه "غير متحمس"، والدليل أن الغارات الإسرائيلية على سوريا لم تتوقف، بل صارت شبه يومية، تستهدف مواقع في دمشق ومحيطها.
هذا السلوك يعكس أن إسرائيل، رغم قبولها الضمني ببقاء النظام، لا تريد أن تُمنح دمشق شرعية مطلقة من دون مقابل في ملف الجولان أو الترتيبات الأمنية.
ويرى مراقبون أنه ورغم التحول الأمريكي تجاه حكام سوريا الجدد، فإن الطريق أمام دمشق ما زال مليئا بالعقبات، فالسياسة تُدار في النهاية بمنطق المصالح والضغوط.


