هاشتاغ
بحث

إسرائيل وسوريا.. بين الكلام عن السلام والاشتباك في الميدان

27/09/2025

السويداء

شارك المقال

A
A

هاشتاغ: خاص



تصاعدت وتيرة الحديث الرسمي عن اقتراب توقيع اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، وتوقعت مصادر دبلوماسية أن يتم الإعلان عنه خلال زيارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن الآمال بتوقيع الإتفاق سرعان ما تلاشت مع عودته إلى دمشق، وسط أحاديث عن تعقيدات سياسية وأمنية عطّلت المفاوضات.


في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 26 سبتمبر/أيلول، أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طرح إمكانية تحقيق سلام مع سوريا، مستفيداً، حسب وصفه، من المتغيرات الإقليمية التي فرضتها الحرب على حماس، وإضعاف حزب الله، وسقوط النظام السوري السابق، وتراجع النفوذ الإيراني. وقال: "ما بدا مستحيلاً في السابق أصبح ممكناً الآن. أعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق يحترم سيادة سوريا مع حماية أمن إسرائيل والأقليات في المنطقة"، في إشارة واضحة إلى الأقلية الدرزية جنوب البلاد.

عقدة الممر الإنساني وقضية السويداء


تؤكد مصادر دبلوماسية أن أبرز عقبة أمام الاتفاق تتمثل في إصرار إسرائيل على إدراج بند يتعلق بـ"فتح ممر إنساني" يربط محافظة السويداء بالأراضي التي تسيطر عليها. وتبرر تل أبيب هذا المطلب بضرورات "أخلاقية واستراتيجية"، على خلفية المجازر التي تعرضت لها الطائفة الدرزية خلال تموز/يوليو الماضي على يد فصائل مسلحة مرتبطة بالسلطة في دمشق.


ويستند الموقف الإسرائيلي إلى العلاقات التاريخية التي تربط تل أبيب بالدروز داخل حدودها. وقد شدد نتنياهو في خطابه قائلاً: "لا يمكن لإسرائيل أن تقف مكتوفة الأيدي بينما يُذبح الدروز. لقد أصدرتُ تعليمات لقواتنا بوقف المذبحة، وهذا ما فعلوه على الفور".


لكن القضية لا تقف عند حدود المطلب الإسرائيلي، إذ إن الموقف الداخلي للأقلية الدرزية نفسه بات يشكل معضلة إضافية. فمنذ تموز الماضي، تطالب أصوات بارزة في السويداء بالاستقلال عن حكومة دمشق وتأسيس كيان مستقل. ويُعتبر هذا المطلب ركيزة أساسية تستند إليها إسرائيل في تمسكها بملف "الممر الإنساني"، بينما تنظر إليه دمشق باعتباره تهديداً مباشراً لوحدة البلاد.


فقد أعلن الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، أنه لا يقبل أي حوار مع السلطة المركزية إلا على أساس "الحكم الذاتي"، مطالباً المجتمع الدولي بدعم هذا التوجه. وردّت دمشق بلهجة شديدة، معتبرة أن هذه الدعوات تشكل "خيانة" وذريعة للتدخل الإسرائيلي في الشؤون السورية.


وفي محاولة لاحتواء الأزمة، توصلت دمشق بالتنسيق مع الأردن والولايات المتحدة منتصف أيلول/سبتمبر الجاري إلى "خارطة طريق ثلاثية"، تضمنت مقترحات لتوسيع صلاحيات محلية في السويداء مقابل نزع فتيل التصعيد. غير أن القيادات الروحية والمحلية في المحافظة رفضت العرض، واعتبرته محاولة جديدة لـ"إسكات صوتها" وفرض الوصاية عليها.

المنطقة العازلة: ورقة ضغط إضافية


الخلاف حول "الممر الإنساني" ليس الوحيد، فإسرائيل تصر أيضاً على الاحتفاظ بالمنطقة العازلة التي بسطت سيطرتها عليها في أعقاب سقوط النظام السابق في ديسمبر/كانون الأول 2024.


وقد استبق نتنياهو كلمته في نيويورك بتغريدة عبر منصة X قال فيها إن فكرة الانسحاب من المنطقة العازلة "مجرد مزحة"، موضحاً أن المفاوضات الجارية مع دمشق تتعلق بترتيبات أمنية تنزع السلاح من جنوب غرب سوريا وتضمن "أمن الحلفاء الدروز".


لكن دمشق ترى أن استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في منطقة الفصل، إلى جانب الغارات الجوية شبه اليومية، يمثل تحدياً مباشراً لسيادتها وانتهاكاً لاتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974.

موقف السلطة الجديدة في دمشق


منذ سقوط النظام السابق، دخلت دمشق وتل أبيب في سلسلة لقاءات غير معلنة استضافتها عواصم مثل باكو وباريس ولندن. وركزت هذه المفاوضات على صياغة تفاهمات من شأنها تقليص التصعيد الإسرائيلي، إذ نفذت تل أبيب منذ ديسمبر/كانون الأول 2024 أكثر من ألف غارة جوية ونحو 400 عملية توغل بري قرب منطقة الفصل.


الرئيس الشرع أكد، قبل توجهه إلى نيويورك، أن المفاوضات قد تسفر عن نتائج "في الأيام المقبلة"، في إشارة إلى انفتاح القيادة الجديدة على ترتيبات أمنية تقلل حدة التوتر. لكن هذا الانفتاح اصطدم بشروط إسرائيلية وُصفت في دمشق بأنها "مساس مباشر بالسيادة"، وعلى رأسها الممر الإنساني ورفض الانسحاب من المنطقة العازلة.


وفي خطابه أمام الجمعية العامة، اتهم الشرع إسرائيل بمحاولة "استغلال المرحلة الانتقالية لإثارة النعرات الطائفية وتنفيذ مشاريع تقسيم جديدة"، مؤكداً أن السياسات الإسرائيلية تعرّض المنطقة للدخول في "دوامة صراعات جديدة لا يعلم أحد أين تنتهي". لكنه تعهّد بالتزام دمشق "الحوار والدبلوماسية" لتجاوز

هذه الأزمة.


الوساطة الأميركية: بين خفض التصعيد والسلام الشامل


تلعب الولايات المتحدة، عبر مبعوثها توم باراك، دور الوسيط لمحاولة تقريب وجهات النظر. ويشير باراك إلى أن الطرفين كانا قريبين من التوصل إلى "اتفاقية خفض تصعيد"، تنص على وقف الغارات الإسرائيلية مقابل التزام سوري بعدم نقل معدات عسكرية ثقيلة إلى المناطق الحدودية.


غير أن هذه الصيغة تبدو أقرب إلى "تسوية مؤقتة" منها إلى اتفاق أمني شامل. فهي لا تتناول مصير المنطقة العازلة ولا قضية الجولان المحتل، وتقتصر على تجميد الاشتباكات الميدانية. وهذا ما يجعلها، بالنسبة إلى دمشق، مجرد حل مرحلي لا يمكن أن يشكل أساساً لسلام دائم.

سيناريوهات المستقبل


بين خطاب نتنياهو المتفائل وحديث الشرع الحذر، تبدو معادلة السلام بين سوريا وإسرائيل محكومة بالتناقضات. فإسرائيل تستغل تفوقها العسكري وانتصاراتها على الجبهات في لبنان وغزة وسوريا وإيران لفرض ترتيبات أمنية تمنحها اليد العليا في الجنوب السوري بذريعة "حماية الدروز"، بينما تطالب دمشق بوقف الانتهاكات واحترام سيادتها.


وفي ظل هذه الهوة، فإن أقصى ما يمكن تحقيقه في المدى المنظور هو اتفاق لخفض التصعيد يجمّد المواجهات دون أن يحلّ جذور النزاع. لتبقى المنطقة أمام سيناريوهات متعددة: إما استمرار الوضع وبقاء التوترات، أو التوصل إلى "تسوية مرحلية" تفرضها واشنطن من خلال "اتفاق أمني محدود" يخفف التصعيد لكنه لا يلامس الملفات الجوهرية.


وأما الخيار الأخير فهو "انفجار جديد" من الصراع يدخل سوريا في موجات اقتتال داخلية قد تفتح الباب أمام مواجهة إقليمية أوسع.

التعليقات

الصنف

سياسة

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025