في اكتشاف علمي قد يقلب فهم الطب الحديث لمرض الزهايمر رأسًا على عقب، توصل باحثون في معهد "كريمبيل" للدماغ في كندا إلى أن الزهايمر ربما ليس مرضًا دماغيًا بحتًا كما كان يُعتقد لعقود؛ بل اضطراب في الجهاز المناعي داخل الدماغ يؤدي إلى “هجوم ذاتي مضلل” على الخلايا العصبية.
من "خلل في البروتين" إلى "خلل في المناعة"
طالما ارتبط الزهايمر في الأبحاث بترسّب بروتين "بيتا أميلويد" في الدماغ، بوصفه العامل الأساسي لتدمير الخلايا العصبية.
لكن دراسات حديثة تشير إلى أن هذا البروتين ليس بالضرورة عدواً؛ بل جزءاً من آلية دفاعية طبيعية يحاول بهما الدماغ حماية نفسه من العدوى أو الالتهابات.
البروفيسور دونالد ويفر، مدير معهد كريمبيل، أوضح أن المشكلة تبدأ عندما يخطئ هذا البروتين في تمييز الخلايا العصبية السليمة من المهددة، فيبدأ بمهاجمتها كما لو كانت أجسامًا غريبة، وهذا يحوّل الدفاع إلى تدمير ذاتي تدريجي يقود إلى الخرف.
نظرية جديدة تتحدى العقود الماضية
منذ سبعينيات القرن الماضي، انحصر معظم البحث العلمي عن الزهايمر في دراسة بروتين "بيتا أميلويد" ومحاولة القضاء عليه. لكن النتائج المحدودة وغياب العلاجات الفعّالة دفع العلماء إلى مراجعة النظرية جذريًا.
ووفق الدراسة الكندية، فإن الزهايمر قد يكون في جوهره مرضاً مناعياً ذاتياً معقّداً يشبه في طبيعته أمراضاً مثل التهاب المفاصل الروماتويدي؛ إذ يهاجم الجسم خلاياه بنفسه.
ما وراء الجدل الدوائي
الجدل في علاجات الزهايمر ليس جديدًا؛ فقد سبق أن وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) عام 2021 على دواء "أدوكانوماب" على الرغم من ضعف الأدلة عن فعاليته، وهذا أثار انقساماً واسعاً في المجتمع الطبي. ويبدو أن النظريات المناعية الجديدة قد تفسر لماذا فشلت الأدوية السابقة في تحقيق نتائج ملموسة.
أمل جديد في الأفق
يرى العلماء أن الطريق نحو علاج فعال يبدأ من فهم المناعة العصبية وكيفية تنظيمها، بدلًا من مهاجمة البروتينات التي تؤدي دورًا دفاعيًا في الأصل.
وتفتح هذه الرؤية الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة تعتمد على إعادة ضبط التفاعل المناعي داخل الدماغ بدلاً من تثبيطه.
واقع مقلق وأمل علمي
يُذكر أن الخرف بأنواعه، وعلى رأسها الزهايمر، يصيب أكثر من 50 مليون شخص حول العالم، مع تشخيص جديد كل ثلاث ثوانٍ. ومع استمرار التحدي العلمي، يبدو أن إعادة تعريف المرض قد تكون أول خطوة حقيقية نحو الأمل بعلاج طال انتظاره.


