في الوقت الذي يشهد فيه العالم ثورة رقمية متسارعة، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة في بيئة العمل؛ بل أصبح عضوًا فعالًا في فرق الإنتاج والإدارة، وهذا يستدعي ظهور جيل جديد من القادة القادرين على إدارة "فِرق من الذكاء الاصطناعي" كما يدير قائد الأوركسترا مجموعة من العازفين بتناغم وانسجام.
فوفق مقالة تحليلية نشرتها مجلة "فوربس" الأمريكية للكاتب كريش رامينيني بعنوان "كتيّب مدير الذكاء الاصطناعي..أتقن ثلاث مهارات لقيادة مستقبل العمل"، فإن النجاح المهني في المرحلة المقبلة يعتمد على ثلاث مهارات رئيسية، إتقان صياغة التوجيهات (Prompting)، وتحويل النجاح إلى منهجية قابلة للتكرار، والقدرة على العمل المتزامن مع أنظمة متعددة من الذكاء الاصطناعي.
المهارة الأولى: فنّ صياغة التوجيهات بالتجربة والتكرار
لم تعد أوامر الذكاء الاصطناعي مجرد عبارات تُكتب عشوائيًا؛ بل أصبحت علماً قائماً على الدقة والتحليل والتجريب.
يقول رامينيني في مقالته: "القادة الناجحون لا يكتبون توجيهات مثالية من المحاولة الأولى؛ بل يكرّرون، ويحلّلون، ويُحسّنون في كل مرة".
ويقدّم مثالا عمليًا: عندما يطلب المدير من الأداة تحليل آراء العملاء، فإن الصياغة العامة تنتج نتائج مبهمة، أما حين يطلب تحليلًا مفصّلًا يصنّف الشكاوى بحسب الأداء والتسعير وواجهة الاستخدام مع إرفاق اقتباس توضيحي، تصبح النتيجة قابلة للتنفيذ الفوري.
المهارة الثانية: تحويل النجاح إلى "نظام عمل"
يرى الخبراء أن سرّ النجاح في إدارة الذكاء الاصطناعي لا يكمن في التجربة لمرة واحدة؛ بل في تحويل هذه التجارب إلى منهجيات عمل متكرّرة.
وتشرح المقالة المنشورة في "فوربس" أن المدير الذكي عليه أن يحفظ الأوامر الناجحة في قوالب، ويحدّد مصادر البيانات المرجعية وتعريفات المصطلحات الخاصة بالمؤسسة.
يتحوّل الذكاء الاصطناعي بهذا من مجرّد أداة إلى نظام عمل ذاتي التعلّم، يوفّر ساعات عمل طويلة ويزيد الكفاءة التشغيلية بنسبة قد تتجاوز 50%.
المهارة الثالثة: العمل المتزامن مع وكلاء الذكاء الاصطناعي
يؤكد التقرير أن القادة المستقبليين لن يعتمدوا على أداة واحدة؛ بل سيعملون لتنسيق أنظمة عدة في وقت واحد.
على سبيل المثال، يمكن للقائد الذكي أن يشرف على ثلاثة وكلاء افتراضيين:
- الأول يحلل حملات المنافسين.
- الثاني ينتج محتوى تسويقيًا متنوعًا.
- الثالث يصيغ رسائل البريد الإلكتروني الموجّهة لشرائح العملاء.
وهنا تكمن المهارة القيادية الحديثة، إدارة التعاون بين هذه الأنظمة في وقت واحد، ومراجعة نتائجها ودمجها لتخدم رؤية موحّدة.
القائد الجديد.. أوركسترا من الذكاء الاصطناعي
يختتم رامينيني مقالته بدعوة المديرين إلى أن يصبحوا "قادة أوركسترا رقمية"، قائلاً إن من يتقن هذه المهارات الآن سيحصل على ميزة تنافسية يصعب تعويضها لاحقًا.
ويشبّه هذا الدور بقدرة قائد الأوركسترا الذي يحوّل أصواتاً متفرقة إلى سيمفونية متناغمة، كذلك المدير المستقبلي الذي ينسّق بين أنظمة الذكاء الاصطناعي لتنتج أفكارًا واستراتيجيات متكاملة.


