ثلاثة علماء يفوزون بـ"نوبل" في الطب لاكتشافهم آلية ضبط جهاز المناعة

كشفت أعمال العلماء الثلاثة عن الدور المحوري للخلايا التائية التنظيمية (Regulatory T Cells – T-regs) في حماية الجسم من الهجمات الذاتية، أي حين يهاجم الجهاز المناعي أنسجته وخلاياه السليمة.

بدأ العالم الياباني شيرون ساكاغوتشي أبحاثه في منتصف التسعينيات، وتمكن عام 1995 من عزل فئة خاصة من الخلايا المناعية تؤدي دور "الشرطة" التي تضبط تفاعل الجهاز المناعي وتمنع حدوث الالتهابات الذاتية.

أما ماري برانكو وفريد رامسديل فقد حددا لاحقًا الجين الأساسي المسؤول عن تطور هذه الخلايا وهو Foxp3، وأثبتا أن الطفرات في هذا الجين تؤدي إلى أمراض مناعية خطرة، من بينها متلازمة نادرة تُعرف باسم IPEX عند الأطفال.

وقالت لجنة نوبل في بيانها الرسمي: "ساهمت هذه الاكتشافات في توضيح كيفية حفاظ الجهاز المناعي على توازنه بين الدفاع عن الجسم ومنع تدمير الذات، فاتحةً الطريق أمام علاجات جديدة لأمراض المناعة الذاتية والسرطان وأمراض زرع الأعضاء"، بحسب "Euronews".

1. علاج أمراض المناعة الذاتية

تفتح الأبحاث آفاقًا جديدة لعلاج أمراض مثل السكري من النمط الأول، والتهاب المفاصل الروماتويدي، والذئبة، بتعزيز نشاط الخلايا التنظيمية لمنع الهجوم الذاتي على أنسجة الجسم.

2. تطبيقات في علاج السرطان

في بعض أنواع السرطان، تستغل الخلايا الورمية آليات هذه الخلايا التنظيمية لتفادي هجمات الجهاز المناعي. فهم كيفية تعطيل هذا “الدرع” يمكن أن يساعد في تطوير علاجات مناعية أكثر فعالية ضد الأورام.

3. زراعة الأعضاء

تُستخدم حاليًا تجارب على تنشيط أو نقل خلايا T-regs للمساعدة في قبول الأعضاء المزروعة، وتقليل الحاجة إلى أدوية مثبطة للمناعة ذات آثار جانبية قوية، بحسب "Science News".

يعمل الجهاز المناعي عادة للتمييز بين خلايا الجسم والخلايا الغريبة (كالبكتيريا والفيروسات). لكن حدوث خلل في هذه الآلية يؤدي إلى أن يعظ الجسم نفسه "عدوًا"، مما ينتج عنه أمراض مناعية ذاتية.

جاءت أهمية اكتشاف خلايا T التنظيمية لأنها تعمل «كابحاً» لهذه الاستجابات، فتبقي جهاز المناعة في حالة توازن دقيق.

 أما الجين Foxp3 فيُعد بمنزلة "المفتاح الرئيسي" لتكوين هذه الخلايا وتنظيمها.

- عام 1995: نشر ساكاغوتشي أول بحث يصف خلايا T التنظيمية في الفئران.

- عام 2001: اكتشف برانكو ورامسديل أن الطفرات في Foxp3 تسبب خللاً مناعيًا قاتلًا في الإنسان.

- من 2010 فصاعدًا: بدأت التجارب السريرية لاستغلال T-regs في العلاجات المناعية.

وبحسب لجنة نوبل، فقد "استغرقت هذه الأبحاث عقودًا من المثابرة والعمل الدؤوب، لكنها غيرت جذريًا الطريقة التي ننظر بها إلى المناعة البشرية".

يتوقع الخبراء أن تُحدث هذه الأبحاث ثورة في الطب الشخصي؛ إذ سيتمكن الأطباء مستقبلًا من "إعادة برمجة" جهاز المناعة للمرضى بتعديل نشاط خلايا T-regs أو الجين Foxp3 بوسائل دقيقة وآمنة.

لكن العلماء يشيرون أيضًا إلى أن الطريق ما زال طويلًا؛ إذ تجب الموازنة بين تنشيط الجهاز المناعي لمحاربة السرطان وبين كبحه لتجنب الالتهابات الذاتية، وهي معادلة دقيقة جدًا.

ويمثل هذا الاكتشاف مثالًا حيًا على كيف يمكن للبحوث الأساسية أن تتحول إلى حلول طبية ملموسة.

فبفهم "كوابح" الجهاز المناعي، أصبح بالإمكان التفكير في علاجات قادرة على إعادة ضبط المناعة بدلًا من قمعها كليًا.

 واستحق ساكاغوتشي وبرانكو ورامسديل جائزة نوبل لعام 2025، ليس فقط على اكتشاف علمي؛ بل على فتح باب نحو مستقبل يمكن فيه توجيه جهاز المناعة لخدمة الإنسان بدلًا من أن يكون سببًا في مرضه.