كشف باحثون في الاجتماع العلمي السنوي للجمعية الأمريكية للسكري (ADA 2025) في شيكاغو عن نتائج دراسة جديدة تُعدّ واعدة جدًا، مفادها أن الأطفال المصابين بداء السكري من النوع الأول الذين استنشقوا جرعات من الإنسولين قبل الوجبات، حققوا نتائج صحية مكافئة لأولئك الذين تلقوا حقن الإنسولين التقليدية، مع مزايا إضافية في الراحة النفسية وتقليل الآثار الجانبية.
مرض معقّد وحلول مؤلمة
داء السكري من النوع الأول هو مرض مناعي ذاتي مزمن يُصيب الأطفال واليافعين في المقام الأول؛ إذ يدمر الجسم خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين، وهذا يستوجب تدخلاً دوائيًا دائمًا لتنظيم مستويات السكر في الدم.
علاج هذا المرض المعتاد يتطلب:
- حقنة يومية من الإنسولين طويل المفعول.
- حقن متعددة من الإنسولين سريع المفعول قبل الوجبات.
تسبب هذه الحقن اليومية المتكررة عبئًا نفسيًا وجسديًا على الأطفال وذويهم، وقد تؤثر في التزام الطفل العلاج.
أفريزا.. علاج مبتكر
الدواء الذي تم اختباره يُعرف باسم أفريزا (Afrezza)، وهو إنسولين سريع المفعول يُؤخذ بالاستنشاق، وينتجه مختبر "مان كايند" MannKind Corporation.
وعلى الرغم من أنه معتمد منذ عام 2014م لاستخدامه عند البالغين في الولايات المتحدة، فإن الأطفال لم يُدرجوا ضمن فئة الاستخدام الرسمي حتى الآن.
ولذلك، جاءت هذه الدراسة بهدف تقييم سلامة وفعالية أفريزا عند استخدامه عند فئة عمرية تتراوح بين 4 و17 عامًا، تمثل الشريحة الكبرى من المصابين بالنوع الأول من السكري.
تفاصيل الدراسة السريرية
شارك في التجربة 230 طفلًا من مختلف الفئات العمرية، وقُسِّم المشاركون إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: استنشقت أفريزا مع الوجبات.
المجموعة الثانية: تلقت حقن الإنسولين السريع التقليدي قبل الوجبات.
جميع الأطفال استمروا في استخدام الإنسولين الأساسي طويل المفعول بوصفه جزءاً من الخطة العلاجية اليومية.
مدة التجربة: 26 أسبوعًا
مقياس النجاح الرئيسي: مستوى الهيموغلوبين السكري (HbA1c)، الذي يقيس متوسط نسبة السكر في الدم في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
فعالية مكافئة ومزايا إضافية
خلص الباحثون إلى أن مستويات HbA1c عند الأطفال الذين استخدموا الإنسولين المستنشق كانت مطابقة تقريبًا لتلك التي عند الأطفال الذين استخدموا الحقن. لكن الأهم من ذلك:
- زيادة أقل في الوزن عند مستخدمي أفريزا، وهو أمر مهم لأن بعض أنواع الإنسولين تسبب زيادة في الكتلة الدهنية.
- درجات رضا أعلى عند الأطفال وذويهم من ناحية القبول والراحة النفسية.
- عدم تسجيل أي تأثيرات سلبية في وظائف الرئة، وهو أحد أبرز المخاوف المتعلقة بالعلاج المستنشق.
رأي الخبراء
قال الدكتور مايكل هولر، أستاذ طب الأطفال في جامعة "فلوريدا" وقائد فريق البحث: "الإنسولين المستنشق هو أسرع أنواع الإنسولين تأثيرًا حتى الآن، ونحن نؤمن أنه يجب أن يكون خيارًا متاحًا لجميع الأطفال والبالغين المصابين بداء السكري من النوع الأول. هذه الدراسة تُثبت أمانه وفعاليته لدى الأطفال".
من جهتها، أشادت الدكتورة ليلى العنزي، اختصاصية الغدد الصماء عند الأطفال في السعودية، بنتائج الدراسة:
"هذه النتائج تمثل اختراقًا حقيقيًا في مجال العلاج. الأطفال هم أكثر من يعانون رهبة الإبر المتكررة، وإن تم اعتماد هذا الخيار، فسيتغير وجه رعاية السكري تمامًا".
أثر نفسي واجتماعي هائل
لا تقتصر أهمية العلاج الجديد على النواحي البيولوجية فقط؛ بل تمتد إلى الجوانب النفسية والسلوكية. فسهولة استخدام أفريزا -بجهاز صغير للاستنشاق- يُمكن أن يُساعد في:
- تحسين التزام الأطفال العلاج اليومي.
- تقليل القلق والتوتر المرتبط بالإبر.
- تمكين الأطفال من ممارسة حياتهم المدرسية والرياضية ممارسة أكثر مرونة واستقلالية.
هل يعتمد قريبًا للأطفال؟
على الرغم من النتائج الإيجابية، لا يزال الدواء بحاجة إلى موافقة رسمية من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) لاستخدامه للأطفال.
ويتوقع خبراء أن تسرّع هذه الدراسة الإجراءات التنظيمية، خصوصًا مع ضغط المجتمعات الطبية والعائلات.
نظرة مستقبلية
إذا حصل الإنسولين المستنشق على الموافقة الرسمية لاستخدامه في فئة الأطفال، فإن ذلك قد يُحدث تحولًا كبيرًا في بروتوكولات علاج السكري، ويجعل إدارة المرض أقل صعوبة وأكثر توافقًا مع نمط حياة الأطفال اليوم.