يسعى الناس يومياً نحو أهدافهم، ويواصلون العمل لتحقيق الإنجازات، فثمة من يعمل لتحقيق النجاح في الثانوية العامة، وهناك من يكدح لتحصيل الشهادة الجامعية، وأحياناً ما تبذل كثيراً من المجهود في سبيل إنجاز مشروع معين في المجال المهني، لكن الظاهرة الغريبة هي أن الكثيرين بمجرد تحقيق الإنجاز يشعرون بالإحباط والفراغ.
وكتب الدكتور بوبي هوفمان، الأستاذ المشارك في "جامعة سنترال فلوريدا" عن هذه الظاهرة مقالة مطولة نشرها في موقع "بي سايكولوجي توداي"، قال فيها: "إن الكثيرين يبلغون عن شعورهم بفراغ مفاجئ بعد تحقيق الأهداف أو الإنجازات".
وأضاف: "ربما تكون قد مررتَ بهذا الشعور المُحبط بعد النجاح في امتحان، أو الحصول على وظيفة مرغوبة، أو تحقيق إنجاز ما، وهذا الانفصال بين الإنجاز والرضا ليس نفسياً فحسب؛ بل عصبي، متجذر في كيفية اختلال أنظمة المكافأة في أدمغتنا نتيجة للحياة العصرية".
الدوبامين هو السبب
أشار هوفمان إلى أن سبب هذه الظاهرة "يكمن في الدوبامين، وهو مُعدّل عصبي، يُوصف غالباً بأنه جزيء المتعة"؛ إذ يُعطي الدوبامين الدافع الذي يُمكّنك من إحراز تقدم نحو أهدافك.
وبينت أبحاث علم الأعصاب أن الدوبامين يرتفع ارتفاعاً حاداً في مرحلة السعي، وليس في لحظة الإنجاز؛ إذ إنه بفضل هذه الآلية التطورية كان أسلافنا يتشجعون على الصيد وجمع الثمار والبقاء على قيد الحياة.
لكن هوفمان أشار إلى أن "الحياة الرقمية" التي يعيشها البشر اليوم جعلت عند الناس سعياً دائماً مصحوباً بالميل إلى العودة بسرعة إلى مستويات الدوبامين الأساسية بعد الأحداث الإيجابية.
وضع قيود مصطنعة
أضاف هوفمان: "لعل الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو كيف استحوذت التكنولوجيا الحديثة على مسارات المكافآت الطبيعية لدينا؛ إذ تُحفّز جداول المكافآت المتغيرة المُدمجة في الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي إطلاق الدوبامين بفاعلية أكبر بكثير مما تُولّده الإنجازات التقليدية. ويُولّد الإشباع الفوري منافسة عصبية لا يُمكن للإنجازات في العلاقات الأكاديمية والمهنية أن تُضاهيها".
وبحسب الأستاذ الجامعي والخبير النفسي، فمن أجل التغلب على ظاهرة الاحباط التي تلي الإنجاز، فيجب على الشخص أن يتبع جملة من السلوكيات، أولها "وضع قيود مصطنعة"؛ إذ بدلاً من استخدام جميع الموارد المتاحة، يجب تقييد الإنسان لنفسه عمداً من أجل إيجاد تحديات ذات معنى.
وبعد ذلك على الشخص تطبيق حلقات التغذية الراجعة الفورية ضمن المشاريع بعيدة المدى بتقسيم الأهداف إلى عناصر أصغر وقابلة للقياس تُوفّر جرعات منتظمة من الدوبامين.
وبدلاً من التركيز فقط على الدرجة النهائية أو النتيجة النهائية، احتفل بإكمال كل قسم من الانجاز بمكافأة صغيرة وذات معنى.
وركّز على عملية تحقيق الأهداف، وقلّل من التركيز على عواقب النتيجة، وعش متعة التقدم وما تعلمته في الرحلة"، بحسب هوفمان.
