توصل فريق من الباحثين إلى نتائج علمية واعدة قد تُحدث تحولاً في طرق دعم الطلاب الذين يعانون من صعوبات في مادة الرياضيات، وذلك من خلال استخدام التحفيز الكهربائي للدماغ. وأظهرت الدراسة، التي نُشرت يوم الثلاثاء الماضي في مجلة "بلوس بايولوجي" (PLOS Biology) الأميركية، أن تطبيق تيارات كهربائية منخفضة الشدة على مناطق محددة من الدماغ يُمكن أن يُعزز القدرة على فهم المفاهيم الرياضية، خاصة لدى الأشخاص الذين يواجهون صعوبات مزمنة في هذا المجال.
بيّنت النتائج أن المشاركين الذين تلقوا التحفيز الحقيقي أظهروا تحسنا ملحوظا في قدرتهم على حل المسائل الحسابية
تقنية حديثة تحاكي عمل الدماغ
اعتمد العلماء في هذه الدراسة على تقنية تُعرف باسم التحفيز الكهربائي عبر الجمجمة (tRNS)، وهي طريقة غير جراحية تُرسل تيارات كهربائية طفيفة إلى الدماغ عبر أقطاب كهربائية توضع على فروة الرأس.
واستهدف الباحثون منطقة القشرة الجبهية اليمنى، وهي منطقة مرتبطة بالوظائف التنفيذية والتعلم والمعالجة العددية.
وشارك في الدراسة أكثر من 100 متطوع، خضع بعضهم للتحفيز الكهربائي أثناء أداء مهام رياضية، فيما تلقى آخرون تحفيزاً وهمياً لأغراض المقارنة.
وبيّنت النتائج أن المشاركين الذين تلقوا التحفيز الحقيقي أظهروا تحسناً ملحوظاً في قدرتهم على حل المسائل الحسابية، مع تأثير استمر لعدة أيام بعد انتهاء الجلسات.
تفاوتات في القدرات وتداعيات اجتماعية
تُسلّط هذه النتائج الضوء على التفاوتات الفردية في القدرة على التعلم، لا سيما في مجال الرياضيات، وهي تفاوتات تؤدي في كثير من الأحيان إلى فجوات تعليمية واجتماعية على المدى الطويل.
وتُشير الدراسة إلى أن صعوبات التعلم في الرياضيات ليست مجرد نتيجة لعدم الفهم أو ضعف التعليم، بل ترتبط أيضاً بكيفية معالجة الدماغ للمعلومات الرقمية.
ويقول الفريق العلمي إن نتائجهم قد تُمهّد الطريق لتطوير أدوات تعليمية مخصصة تعتمد على فهم نشاط الدماغ لدى كل فرد، مما يعزز إمكانات التعليم التكيفي في المستقبل.
الآفاق المستقبلية والتحذيرات
رغم النتائج الإيجابية، شدد الباحثون على ضرورة إجراء مزيد من الدراسات لتحديد المدى الآمن والفعال لهذا النوع من التحفيز العصبي، خصوصاً عند الأطفال والمراهقين.
كما حذروا من استخدام هذه التقنية خارج إطار التجارب العلمية، مؤكدين أن استخدامها العشوائي قد يؤدي إلى آثار غير مرغوبة على وظائف الدماغ الأخرى.
ويقول الدكتور رويس وينغفيلد، أحد القائمين على البحث:"نعلم أن هناك تفاوتًا كبيرًا في كيفية تعلم الناس للرياضيات، لكن هذه الدراسة تشير إلى أن التدخل العصبي قد يُقلّص هذه الفجوة، إذا ما استُخدم بحذر وضمن معايير علمية صارمة."
ويفتح هذا البحث أبوابًا جديدة في مجالات التعليم والتكنولوجيا العصبية، ويُسلّط الضوء على إمكانية توظيف فهمنا المتزايد لنشاط الدماغ في معالجة أحد أكبر التحديات التعليمية.
وبينما لا يزال الطريق طويلاً أمام تعميم هذه التقنية، فإن الأمل يلوح في الأفق لأولئك الذين طالما اعتبروا أن الرياضيات "ليست لهم".