وصف شيخ الحقوقيين السوريين، المحامي هيثم المالح، تجربة الاعتقال والقمع السياسي في عهد عائلة الأسد، بأنها الأبشع في تاريخ سوريا الحديث، مؤكداً أنّ النظام الحالي "فاق في دمويته ووحشيته كل الأنظمة التي سبقته، وحتى أعتى الغزاة عبر التاريخ"، بحسب تعبيره.
المالح الذي بدأ مسيرته السياسية منذ عام 1951 إبان حكم أديب الشيشكلي، قال في حديث مع "هاشتاغ" في برنامج "إلى أين" إنّه قضى حياته في أروقة المحاكم والمعتقلات، من دون أن يتراجع عن موقفه المطالب بالحرية والديمقراطية، مضيفاً: "ما فعله نظام الأسد في سوريا لم يفعله تيمورلنك ولا التتار ولا هولاكو".
وأشار إلى أنّه أعدّ في سنوات عمله السياسي والقانوني أكثر من 8 تقارير موثقة عن سوريا، أُرسلت إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، تجاوزت مجتمعةً 1500 صفحة من الوثائق والصور والأرقام.
خروج قسري وعودة بعد 14 عاماً
المحامي المالح خرج من سوريا في (تموز/ يوليو) 2011م، بعد دعوة وُجّهت إليه من بشار الأسد للحوار بإشراف فاروق الشرع، فبعث رسالة اعتذر فيها قائلاً: "لا أُحاور القتَلة"، وغادر البلاد.
عاد إليها لاحقاً في (كانون الأول/ ديسمبر) 2024م، ليجدها "بلداً مدمّراً بالكامل"، كما وصف، مشيراً إلى أنّ ما حدث في سوريا من قصف المنازل والبنى التحتية والمدارس ودور العبادة لا يمكن عده سوى "جريمة ممنهجة ارتكبتها العصابة الحاكمة بحق وطن بأكمله"، وفق قوله.
الحاكم الحقيقي لا يفرض نفسه بقوة السلاح؛ بل بقبول الناس له، أما هؤلاء فقد فرضوا أنفسهم من دون أي تفويض
أعداء الشعب السوري
وصف المالح من حكموا سوريا في العقود الماضية بأنهم "أعداء حقيقيون للشعب السوري"، مشيراً إلى أنّ الصراع في سوريا كان دائماً بين الشعب من جهة، ونظام شمولي فاشي من جهة أخرى.
وأضاف: "الحاكم الحقيقي لا يفرض نفسه بقوة السلاح؛ بل بقبول الناس له، أما هؤلاء فقد فرضوا أنفسهم من دون أي تفويض".
كما استعرض المالح في حديثه واحدة من أبرز مراحل نضاله، عندما قاد حركة النقابات المهنية في (أيار/ مايو) 1978م، وكانت تلك الحملة -بحسب قوله- واحدة من أقوى حركات المجتمع المدني بعد الاستقلال.
وقال: "بدأت الحركة من فرع نقابة المحامين في دمشق، وامتدت لاحقاً إلى باقي المحافظات، ثم إلى نقابات الأطباء والمهندسين وغيرهم".
هذه التعبئة أخافت حافظ الأسد بشدة -وفق المالح- ما دفعه إلى إصدار مرسوم يمنح رئيس مجلس الوزراء صلاحية حل النقابات، في خطوة وصفها المالح بأنها "غير دستورية وغير قانونية".
لم يُحققوا معي.. فقط زجّوا بي في السجن. لا تهمة، لا مذكرة توقيف، ولا حتى ورقة صغيرة
الاعتقال.. من دون محاكمة أو حتى تحقيق
المالح أكد أنّ قرار حل النقابات تلاه اعتقال واسع للنقابيين والعاملين في الشأن العام، من دون وجود أي مذكرات قضائية أو تحقيقات قانونية، مشيراً إلى أنّه أمضى سبع سنوات كاملة في المعتقل دون توجيه أي تهمة رسمية له، ومن دون أن يُستدعى إلى التحقيق حتى لمرة واحدة.
وقال: "لم يُحققوا معي.. فقط زجّوا بي في السجن. لا تهمة، لا مذكرة توقيف، ولا حتى ورقة صغيرة".
وذكر المالح أنّه نشر مذكراته قبل عامين في إسطنبول، متضمّنة وثائق من تلك المرحلة، وتفاصيل عن حركة النقابات، ووصف دقيق لما جرى من قمع ممنهج ضد المحامين والنقابات العلمية التي قال إنّها كانت تمثّل الطبقة المثقفة في البلاد.
وأشار إلى أنّ نظام حافظ الأسد ألحق النقابات كلها بحزب البعث الحاكم، بإصدار قوانين تنظيم المهنة، وهذا أفقدها استقلالها بالكامل.
وفي سياق حديثه، لفت المالح إلى أنّ اتحاد المحامين العرب طرد ممثلي "النقابة المعيّنة" من قبل نظام الأسد في مؤتمر أُجري بالمغرب عام 1980م، ورفض الاعتراف بها ممثلة للمحامين السوريين، في سابقة أكّدت -بحسب وصفه- حجم العزلة التي عاشها النظام في المحافل الحقوقية العربية والدولية.
وأشار شيخ الحقوقيين إلى أنّه بصدد إعادة إصدار مذكراته التي نُشرت في إسطنبول، إضافة إلى سبعة كتب أخرى كتبها في سنوات نفيه، وسيتم توزيعها في الأسواق السورية قريباً.