هاشتاغ - رأي مازن بلال
في الصورة الإعلامية هناك توازن في رسم مساحة سوريا ضمن شرق المتوسط، فالجميع يطرح المواقف عن الاستقرار ووحدة أراضي البلاد، لكن المواقف لا تعني نهاية التنافس الإقليمي والدولي على سوريا، كما أنها لا توفر ضمانات لعدم انزلاق الوضع إلى مرحلة اضطراب جديدة، فمنذ عام 2011 ظهرت في سوريا مناطق "رمادية" وسمت العلاقات مع الإقليم بتوتر شديد، وبعد 2015 أصبحت السيادة السورية مرهونة بتوازنات دولية نتيجة التدخلين الأمريكي والروسي، وفي المحصلة فإن سوريا اليوم هي جغرافيا تحكمها تصورات إقليمية لا توافق وطني عام.
ربما يبدو مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي في سوريا جزءا من عملية اختلال التوازن، ليس بسبب انعقاده؛ بل لأنه كشف عن عدم القدرة على بناء مؤتمر جامع، وبصرف النظر عن التوافقات التي طرحها لكنه عبّر عن خلل في "الحوار الوطني" الذي نفذته الحكومة المؤقتة وأفضى إلى إعلان دستوري، فهناك مأزق واضح في مسار سوريا الجديدة يفتح الباب على توازنات إقليمية حرجة تجعل من الصعب مواجهة تحديات القادم، فالمؤتمر بالتأكيد يقدم صورة لا تتيح للقوى الإقليمية النظر إلى سوريا بوصفها كتلة واحدة.
في غربي البلاد أيضا تبدو الصورة قاتمة خصوصا مع إعادة النظر إلى الساحل السوري وفق تصور طائفي، وهذا الأمر يحدث في جنوب سوريا الغربي لريا مع نظرة سكان السويداء بحذر إلى إجراءات السلطات الجديدة في دمشق سواء في الإعلان الدستوري أم في ما قبله من نقاشات وحوارات، فالمسألة الوطنية اليوم تفتح بابا واسعا أمام التوازن الإقليمي للتعامل السياسي الحذر تجاه التطورات الداخلية وقدرة السوريين على بناء ميثاق وطني جامع.
عمليا فإن البارز هو التحركات نحو رسم مسار اقتصادي سوري، وهذا الأمر ظهر مع سعي عربي بالدرجة الأولى للقاءات سورية مع البنك الدولي، فالدول الإقليمية لا تبدو قادرة على تأدية دور محوري في ظل واقع ما زال يبحث عن صورة له لم تكتمل، فهو مرهون حتى اللحظة لظرف الحرب التي بدأت قبل عقد ونصف، وغير قادر على بدء تفاهمات تحاول رسم صورة البلاد بعيدا عن الصراعات التي خلقتها طريقة انتهاء سلطة البعث نهاية العام الماضي.
الفراغ السياسي الذي ظهر بعد الثامن من كانون الأول 2024 لا يمكن ملؤه بطريقة أمنية، فالسياسة وحدها هي التي تخلق واقعا يمكنه إيجاد تفاهمات وطنية، وعندما يتم تعيين التحديات الحالية فإن الجغرافيا السورية يمكن أن تظهر من جديد على إيقاع الفهم المتبادل للطيف السياسي السوري كله، وعلاقات سوريا إقليميا وحتى دوليا لن تتبلور إلا في اللحظة التي تتحول في النظرة الضيقة من المناطق والطوائف إلى تصورات سياسية تقود المجتمع نحو بناء العقد الاجتماعي الجديد، فكل المواقف الإقليمية والدولية لن تحمي سوريا ولن تأخذ زمام المبادرة؛ لأن الاستحقاقات اليوم سورية بامتياز.