السبت, يوليو 27, 2024
HashtagSyria
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةوجع....الصور القادمة من لبنان

وجع….الصور القادمة من لبنان

نضال الخضري

محاولة إيجاد تبريرات للتصرفات تجاه السوريين في لبنان غير مجدية، فهناك صور متراكمة طوال فترة الحرب تجعل من المستحيل محو الذاكرة وصور المعابر الحدودية، فالسوريون لم يحاصروا من قبل قوى خارجية، وربما لم يشاهدوا السيناريو الذي بدأ قبل أن يعبر أي نازح باتجاه لبنان، ولم يلاحظوا أن المخيمات نُصبت قبل أي تطور كبير.. وحتى التغطية الإعلامية التي بدأت أبكر من اللازم عن النازحين كانت جزءا من اللوحة الناقصة لحدث أصبح مأساة حقيقية.

العلاقة مع لبنان لم تنكسر فقط بل أصبحت سردية مغلقة على نفسها؛ يرددها أي سوري وهو يعبر الحدود ليس رغبة بالنزوح أو اللجوء، إنما لأغراض لا تربطها بلبنان أي صلة، بالسفر مثلا، ويسترجع مع هذا العبور كل المخاوف أو حتى النظرات التي يمكن أن تقتله معنويا، فهناك تاريخ بات من الصعب وضعه جانبا، ولم يعد بالإمكان التعامل مع بيروت وكأنها أقرب منطقة للسياحة كما كانت في خمسينيات القرن الماضي، حيث كان السوري يراها مكانا قادرا على منحه مساحات إضافية من الجمال دون أن يضطر للغياب عن دمشق طويلا.

كانت لبنان “الرئة” المالية للسوريين من تقلبات نهاية الخمسينات، وربما السوق الكبير في كل مراحل “الحصار” السابق، وكانت أيضا المنفذ الأخير للإبداع عندما تضيق المساحات السورية. الزمن لم يتغير فقط بل أنهى أيضا كل الصور التي تركها لنا نزار قباني عن بيروت، وعن الفضاءات الثقافية التي جعلتها مكانا لنشر الكتب ونظم القصائد، لكن ما نملكه اليوم في ذاكرتنا القريبة موجع لأبعد الحدود، وهو يغتال الصور القديمة وحساسية الأمكنة التي أبهرت أجدادنا.

المسألة ليست في حادثة عابرة جعلت شريط ذكرياتنا حاضرا أمامنا، إنما شعور بأن الحصار يأتيك من أضيق الأماكن، وأن الامتداد نحو البحر أصبح أصعب من أي وقت مضى، فالوصول إلى “الأفق” بات مرهونا بكل مناطق التوتر، وأصبحت الصورة النمطية للبناني وللسوري أيضا حملا ثقيلا علينا تحمله حتى في منازلنا ونحن نتابع منصات التواصل، والصور التي تبدو أكثر من مرعبة عن اضطهاد ربما عابر لكنه مغروس في الذاكرة.

روايات أبائنا عن لبنان باتت تحمل غرابة.. وحتى صور مهرجانات معرض دمشق الدولي وحفلات فيروز أصبحت جزءا من الذاكرة القاتمة المتراكمة منذ أن شوهت حرب السنتين (1975 – 1977) كل الصور الجميلة، وما يحدث اليوم لا يرتبط بالسياسة إنما بتحول مختلف المفاهيم التي كونت المراحل الأولى لظهور سورية ولبنان، فالأجيال الجديدة لا تحمل سوى الملامح القاتمة لحالات القهر على الحدود، أو للصور المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تغيب كل الألوان القديمة وأشكال الفرح التي شكلت في الماضي القريب شريطا جميلا عن لبنان.

في كل لحظات التاريخ القريب هناك حدث لبناني يجتاح السوري، وهناك رواية لم تكتب عن أجيال رافقها الوجع حتى في مسيرتها لرسم مساحتها الخاصة بعيدا عن الحرب أو تعقيدات السياسة، فهي كانت تبحث عن النجاة فقط وإنقاذ ذاكرتها من التشويه.

مقالات ذات صلة