هاشتاغ- عبيدة فخر الدين- بيروت
“مستوى الفقر في لبنان وصل إلى أرقام خيالية” بهذه الكلمات عبر الممثل والمدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في لبنان “عبد الله الوردات” عن حالة الفقر والعوز التي وصل اليها لبنان نتيجة الانهيار الاقتصادي الذي بلغ أشده بعد انطلاق شرارة ١٧ تشرين ٢٠١٩.
هذا البلد الصغير بحجمه نسبيا يقبع 74% من سكانه تحت خط الفقر، حسب دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا”، بعنوان: “الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهَمة”.
أرقام تؤشر لما هو أسوأ حتما في ظل غياب الحلول من الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، وتخلي المجتمع الدولي عن بلاد الأرز، خصوصا بعد إحجام دول الخليج عن دعم لبنان أيضا لأسباب سياسية!
“كورونا والدولار وانهيار الليرة خربوا بيتنا” بهذه الكلمات وصف “بسام” حالته بعد أن تسببت الأزمات المتتالية بإقفال محله الذي كان يعيل منه أسرته؛ فبسام (٣٥ عاما) كان يستأجر محلا صغيرا لبيع الألبسة في ضواحي بيروت، تراكمت خسائره منذ بداية حراك ١٧ تشرين، وجاء إقفال كورونا بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير. يقول “الآن أعمل مع صهري في محل معجنات كي أستطيع تأمين الطعام لزوجتي وابني، وأنتظر الفرصة المناسبة كي أهاجر” ليختم حديثه بحرقة ” ما بقى بدي لبنان ولا بدي عيش فيه” .
واقع مأساوي يعيشه لبنان وقاطنيه، حتى أكلة “المجدرة” التي تعد طبقاً تقليدياً للطبقة الفقيرة أصبحت حلماً يراود العديدين من الشعب اللبناني، إذ افترضت “الدولية للمعلومات” أن أسرة مكونة من ٤ أشخاص بالغين قررت تناول ٣ وجبات مجدرة يوميا على مدار الشهر فإن كلفته ستصل إلى ١.٥٦٣.٠٠٠ ليرة لبنانية في حين أن الحد الأدنى للأجور لا يزال ٦٧٥ ألفا!
هذا الفقر والتغيير في النظام الغذائي عبرت عنه”إيمان” (٤٣ عاما) والتي تعمل في القطاع العام (الضمان الاجتماعي) حيث تحدثت بسخرية ممزوجة بألم ” بتصدقني إذا قلتلك نسيت طعم اللحمة والدجاج!.. أنا مش مشكلة عشت أيامي بس العترة على الجيل اللي طالع.. كيف بدو يعيش بهيك بلد”.
وتسهب “إيمان” بالحديث عن وضع المعاشات وتأثيره على السلوك الاستهلاكي: “معاشاتنا بعدها على سعر المركزي.. و الفجوة كبيرة بين الراتب و المصروف.. حتى أكلات الزيت والعدس اللي بلا لحمة ما عم نقدر ناكلها!.. الولاد عم ينامو جوعانين وما قادرين نعمل شي.”
لم يرحم هذا التضخم والانهيار لا الكبير ولا الصغير، ولعل الأطفال هم الفئة الأكثر تضررا من هذه الأزمة الاقتصادية، إذ نشرت اليونيسيف تقريرا عن أطفال لبنان أكدت فيه أن 3 من كل 10 أطفال يخلدون إلى النوم جائعين أو يتخطون وجبات الطعام. وأضاف التقرير الصادر في تشرين الأول الماضي (2021) أن ثمة تدهور كبير في الظروف المعيشية، حيث تخطى 53% من العائلات التي لديها طفل واحد على الأقل وجبة، مقارنة بـ 37% في نيسان الماضي، وهذا يؤكد كلام “إيمان” التي أكدت أن أطفالها ينامون وهم جياع وحتى ببعض الأحيان يقتصر الغداء على أكلة عدس أو برغل، حتى أنهم في كثير من الأحيان يذهبون إلى المدرسة بنصف رغيف فقط “قبل كان أسهل شي نجيب لبنة ونلف لهالصغار.. حالياً حق العلبة ٦٠ ألف.. من وين بدنا نجيب؟!”
يوما ما كانت فنزويلا أو موزمبيق مضربا للمثل بالانهيار، إلا أن التضخم الحاصل في لبنان سجل رقما قياسيا تجاوز هذه البلدان وغيرها، حيث بلغت نسبة التضخم ٣٠٠% وهو رقم ضخم جدا!
في السابق كان يقال عن الشعب اللبناني انه شعب “صاحب كيف” بمعنى أنه يحب العيش والسهر والحياة، بينما حالياً ثلاثة من كل 4 أشخاص (74%) يقولون إنهم يعانون من الإجهاد كثيراً في اليوم نتيجة ضغوط الأوضاع المتدهورة يومياً، لتصبح هذه المقولة ضربا من النسيان، فالمواطن اللبناني أصبح همه فقط تأمين لقمة العيش التي بات تأمنيها يحتاج إلى جهود جبارة!
هذه الأرقام يؤكدها “إيلي” وهو صاحب مكان للسهر في منطقة الجميزة في بيروت ، حيث أكد أن لبنان لم يعد كما كان من قبل، وخصوصا بعد تضرر منطقة الجميزة إثر تفجير ٤ آب ٢٠٢٠، ويبرر إيلي هذه الحالة بالقول: “اللبناني هلق بس بدو ياكل ويشرب.. أما السهر ما بقى من أولوياتو.. كيف بدو يسهر وما في بجيبتو حق لقمة الأكل؟!”
ويُقدر البنك الدولي أن لبنان يحتاج في أحسن الأحوال حوالي 12 عاماً ليعود إلى مستويات الناتج المحلي المسجلة في 2017، وفي أسوأ الأحوال إلى 19 عاماً.
لبنان اليوم مختلف عن سابق عهده، “سويسرا الشرق” لم يعد كذلك، بل بات مضرب المثل بالفقر والعوز والجوع!