Site icon هاشتاغ

المعضلة السورية بعد انتخابات أنقرة

المعضلة السورية بعد انتخابات أنقرة

المعضلة السورية بعد انتخابات أنقرة

هاشتاغ-مازن بلال

منذ بداية لقاءات “أستانه” تجاوزت الأزمة السورية بالنسبة لتركيا المساحة الأساسية لها، وغابت قضية “الحديقة الخلفية” التي أوردها وزير الخارجية الأسبق، أحمد داوود أوغلو، في كتابه العمق الاستراتيجي، لتصبح الحرب في سوريا قضية مختلفة مرتبطة بتداعيات الصراعات المتعددة، والمخاطر الإقليمية نتيجة التواجد العسكري المكثف في الشمال السوري على وجه التحديد، وكانت تفاهمات “أستانه” تحدد وبشكل فعلي استراتيجيات مختلفة تجلت عبر مناطق التصعيد، وفي المقابل بدت العمليات العسكرية للجيش التركي في الشمال السوري كتحضيرات لا بد منها لإعادة صياغة الأمن الإقليمي لتركيا عموما.

كانت مسألة العمق الاستراتيجي قائمة على مرجعية تركيا للعلاقات في المنطقة، وظهر حزب العدالة والتنمية نموذجا انتشر سريعا على طول المنطقة، فحتى الأحزاب السورية التي تم ترخيصها في سورية تحمل بأغلبها مفردة “التنمية”، لكن سقف العلاقات التي طورتها تركيا عبر معادلة “صفر مشاكل” وصلت إلى نقطة التماس مع الجوار السوري تحديدا، وكان من المستحيل على أنقرة بناء معادلة تركية – سورية دون التصادم مع دمشق التي تشكل إحدى نقاط التوازن الإقليمي.

في لقاءات “أستانه” ظهرت حالة جديدة على مستوى تحديد الجبهات العسكرية، وبدأت مناطق السيطرة لـ”الأطراف المسلحة” تنهار بشكل تدريجي؛ لتصبح التفاهمات في النهاية بين الدول بعيدا عن أي تشكيلات أخرى، وكان هذا الأمر بداية الوصول للواقع الحالي الذي حمل لقاءات ومحاولات تطبيع، فبالنسبة لأنقرة، ولمعظم التشكيلات السياسية التركية، هناك مسألتين أساسيتين لا يمكن حلهما إلا بالتعامل مع الحكومة السورية والاعتراف بشرعية السلطة:

الأولى مسألة التوازن السكاني التي يفرضها التواجد السوري عبر اللاجئين أو “المواطنين” الذين اكتسبوا الجنسية نتيجة الأزمة، وهذا الأمر يثير حفيظة الاتجاهات السياسية القومية، وأصبح مؤخرا أزمة حقيقة نتيجة ما يفرضه “المواطنون” الأتراك من أصل سوري أو حتى المقيمين بشكل رسمي على الأراضي التركية.

رغم أن نسبة اللاجئين وحتى المقيمين تبدو ضعيفة أمام التعداد السكاني التركي، لكنهم متمركزون في مناطق محددة ويمارسون أنشطة اقتصادية تجعلهم ضمن دائرة الملاحظة بشكل عام، وبالأساس فإن تركيا لديها “حساسية” من التنوع السكاني منذ الجمهورية الأولى، وتبدو استراتيجية “الدولة العميقة” لتركيا هي في تحييد هذه المشكلة تمهيدا لحلها، ويمكن اعتبار إعادة رسم موضوع اللاجئين قاعدة أساسية سترسم مستقبلا العلاقة التركية – السورية.

المسألة الثانية تبدو في السباق من أجل بناء نظام أمن إقليمي، وهذا الأمر فرض التسارع ما بين العلاقة السورية – العربية ونظيرتها التركية، فالاستراتيجية التركية التي بدت في “صفر مشاكل” كحالة “رائدة” وعقلانية، انتهت مع تصاعد المعارك في سوريا التي أدت لتواجد عسكري في سوريا.

هناك زمن مختلف بالنسبة لكافة دول الإقليم، والمعضلة أنه زمن يحتاج لسياسات مختلفة كليا عن السابق حتى يتحقق الاستقرار الإقليمي، حيث تعود سورية والعراق أيضا إلى جغرافية تفصل حالة التنافس لبناء نظام الأمن الإقليمي، وعلى طرفي الدولتين هناك ثلاث أدوار “متنافسة”: إيران، تركيا والدول الخليج، وفي اللحظة الحالية لا يبدو هناك حالة من التفضيل لأي منهم، رغم الميل السوري إلى الدور العربي، لكن دمشق محتاجة أيضا للدور التركي لإنهاء الحالة العسكرية في الشمال، وفي النهاية فإن التوازن المعقد الذي تتم التحركات الدبلوماسية على أساسه يحتاج لاستراتيجيات سورية بالدرجة الأولى، وهي ليست استراتيجيات تنمية فقط بل أيضا تصورات لسيادة الدولة وسط توازنات جديدة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version