Site icon هاشتاغ

دمشق.. رغبة الحياة

دمشق

هاشتاغ _ نضال الخضري

حيٌ واحد في دمشق يلخص صورة لكل التفاصيل التي ترافق المدينة، فهو ليس تاريخا إنما لونا يحاول التجدد رغم كل ما شهده من أحداث، فــ”باب شرقي” الذي يحمل رمزية لأهالي المدينة شهد كل التحولات و “التشوهات” التي حولته إلى “مطاعم” وبارات قبل الحرب، وانتهى به المطاف ليصبح قصة خاصة لرغبة الحياة في المدينة المتعبة.

قبل عام 2011 كان الميلاد ورأس السنة في سوريا هما مهرجان ضوء في كل المدن، ولكن “عتمة” الأيام لم تحرم السوريين الكهرباء فقط، بل أيضا رغبة النظر إلى “جمالية” الأيام وهي تتساقط في نهاية العام، ووحده “حي باب شرقي” بقي نقطة العودة إلى صورة دمشق، وألوان الأعياد التي تدفع الجميع للتوقف أمام “زينة” تسحب من أعماقنا كل ذكريات المدينة بشكل مفاجئ.

هو رواية في الواقع عن الأجيال التي عاصرته في ذروة البهجة، وفي لحظات الرعب عندما أصبح مجاورا لجبهات الموت في غوطة دمشق الشرقية، وهو يمثل أيضا صراع النمط العمراني مع رغبات الاستثمار العشوائي، فحد التناقض في هذا الحي تتركنا أمام التشابك الذي تخلفه المدن الموغلة في القدم؛ فهي تصارع كل الرغبات الناشئة وتحمل أيضا تعب الجدران والأحجار المرمية على أطرافها، وتظهر مثل بانوراما للماضي والحاضر ثم يسقط المستقبل بشكل سريع في دوامة هذا الصراع.

لكن الجميل أن هذا الحي مع نهاية العام يمكن أن يترك أي دمشقي أمام “مهرجان الضوء”، ومشاهد “النسيان” ولو لساعات خارج الشد العصبي لحياة المدينة، فإمكانية السير على الأقدام دون ضغط “الصورة المرورية” التي تستهلك دمشق هو بحد ذاته ترف دمشقي، والتوقف أمام الأعمدة الحجرية بعيدا عن “مخالفات البناء” وألواح الطاقة الشمسية يشكل “إجازة بصرية”، وبهذه التفاصيل التي نلملمها نستعيد القليل من وعينا بأننا نعيش في مدينة، وليس في مساحة عشوائيات تم تنظيمها كجزء من مشهد دمشق.

رغبة الحياة تبدو محشورة في مساحة صغيرة في حي دمشقي، ولكنها تبقى “رغبة صارخة” وسط كل “أمواج الرحيل” التي بدلت الوجوه وملامح المدينة، وجرفت معها ذكريات وصور غدت جزءا من حكايا الأجداد للأحفاد، فمن يمر عبر قوس باب شرقي لا يدخل عالما جديدا، إنما يدفع كل الرغبات في الحياة كي تصعد من جديد، ويجعلها تصرخ وربما تنفجر أمام مهرجان الضوء، وفي النهاية سيعبر قوس الباب من جديد إلى مساحات العتمة التي أصبحت جزءا من حياة “ما بعد الحرب”، ثم سيتلفح بأصوات الاعتداءات “الإسرائيلية” ليس على غزة بل أيضا على محيط دمشق، وتكتمل دورة النهار أو صورة دمشق التي يكتبها البعض بخيال غريب كمدينة ياسمين، بينما هي “رغبة حياة” بكل التفاصيل القاسية، أو الذكريات المرمية داخل سورها، وهي صراع المقاهي والمطاعم مع “أطفال الشوارع” وضجيج الحافلات، وفي النهاية هي “رغبة حياة”.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version