Site icon هاشتاغ

رواية “الدعم”..

رواية "الدعم"..

رواية "الدعم"..

هاشتاغ-نضال الخضري

الاقتصاد السوري مساحة مفتوحة للجميع، فالكل قادر على رسم ملامح الخلل أو فتح شكوك بأي إجراء رسمي، وهو أيضا “صورة” المظلومية التي تتوارثها الأجيال منذ أن أصبحت حركة التجارة بالدرجة الأولى جزء من العمل الحكومي، فظهر “الدعم” وأشكال التحكم في كل العلاقات المرتبطة بالسوق، وبدأت “المؤسسات الاستهلاكية” بالظهور تدريجياً في محاولة لكسب المساحات الخاصة بالتجارة الداخلية، ورواية الدعم هنا حول الاقتصاد ليست بالضرورة مجرد “مذهب اشتراكي” بل أيضا تبدل في علاقات الإنتاج التي كسرت زخم الأسواق المحلية وخلقت سوية اجتماعية لم يكن “الفلاحون والعمال” طرفا فيها.

سياسياً، كان مصطلح “الكادحين” يطفو على سطح ما يجري، ويجعل من عملية التحول الاشتراكي وفق خطاب الستينات من القرن الماضي يتجه نحو “العمال والفلاحين”، فظهر التصنيف كإجراء عام في العملية السياسية أكثر من كونه تمكيناً لفئة اجتماعية منتجة، وهذه الآلية بنت تفكيراً خاصاً بدأ قبل “التحول الاشتراكي” عندما كانت الدولة بعد الاستقلال تؤسس نفسها، فـ”الموظف” أو ما كان يطلق عليه “ابن الدولة” أصبح لاحقاً شريحة اجتماعية تطورت بشكل سريع.

رواية الدعم هي قصة الشريحة التي رسمت لنفسها مساحة داخل “أجهزة الدولة”، وهي عانت دائماً من مظلومية “ارتفاع الأسعار” في مواجهة حالات التضخم المستمرة، وفي هذه الرواية شكل من التفكير انسحب على الجميع، حيث يبدو “الموظف الحكومي”، سواء كان إدارياً أو في مواقع الإنتاج، خارج مواقع التعامل المباشر مع أي اضطراب اقتصادي، وأصبح “مقياس” الحركة الاقتصادية” سواء عبر دخله أو ظروف عمله.

لم تصل حالة استيعاب “قوى الإنتاج” إلى مستوى دولة الرفاه، ولم تستطع أيضا عملية المنافسة في السوق وقدرة القرارات الرسمية على التحكم بها إلى خلق بيئة اقتصادية تؤمن “التحول الاشتراكي” الذي كان شعار ستينيات القرن الماضي، وما حصل بالفعل هو ظهور اقتصاد يراعي الظروف السياسية المتطورة في سوريا، وتحولت مسألة “الدعم” إلى “نمط” يشبه عقدة أي رواية تصل إلى ذروة التطور الدرامي، فهو كان مغامرة لكسب الأسواق وتحول في النهاية إلى رمز لـ”رعاية” الدولة لمواطنيها.

الجميع قادر على نقض القرارات الحكومية لأنها أصبحت جزءاً من “النسيج الاجتماعي”، فهي لا تخص “الكادحين” بل باتت حالة ارتباط عضوي لمجتمع يتكئ على الدعم ودولة تعاني من آثار الحرب، والحديث اليوم عن الفساد والعقوبات لم يعد مقنعاً ضمن تفكير لا يعترف بأن الحرب أنهت قدرة القرارات الحكومية على ضبط حركة الأسواق، ولا يعترف أيضاً أن مسألة “إلغاء الدعم” ليست مجرد إجراء اقتصادي، وإنما جزء من بنية المجتمع ككل.

هي رواية تسرد تفاصيل كثيرة لتحولات سورية على امتداد أكثر من نصف قرن، ونهاية الدعم مفتوحة بشكل دائم ولا يمكن تبريرها بالتصريحات والتحليلات، ولابد من ظهور “سردية” اقتصادية جديدة حتى يصبح “الدعم” جزءاً من الماضي ويتشكل اقتصاد قادر بذاته على كبح الفساد لأنه ظهر من تفكير جديد وليس من قدرة أي شخص أو خبير على الانتقاد والتبرير للوضع الاقتصادي الحالي.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version